السياسي الغني خير من السياسي الفقير مع شرط الوطنية والكفاءة
•محمد الشمسي
عندما يضطر الفاعل السياسي للخروج على الناس كي يبرهن لهم أنه ليس غنيا أو موسرا حد الإسراف، مثلما يروج لذلك خصومه، و يرافع ليقنع المتتبعين ببراءة ذمته المالية من كل شبهة من المال العام، يصبح السؤال العريض هو، هل لا بد للفاعل السياسي أن يكون “على الضص” حتى يرضى عنه الناخبون و تحتفل به صناديق الاقتراع؟، أليست الغاية هي رسم مسافة ما بين “الرأسمال المالي” وبين “المسيرة السياسية”؟، وأيهما أليق وأنسب لتسيير الشأن المحلي أو الوطني، هل هو “سياسي حازق” أم “سياسي مرفح”؟، طبعا مع استحضار شرط الصدق والكفاءة والوطنية في الاثنين معا.
تابعت شخصيا تدخلا لفاعل سياسي اضطر إلى التلويح بالدليل المكتوب علنا ليبرئ ذمته من كل “تهمة ثراء” حاول خصومه إلصاقها به، لإظهاره للناس أنه جمع على “ظهورهم” مالا بلدا، الفاعل السياسي والذي تجمعني به صداقة إنسانية وليست حزبية، لم يكن يوما في حجم الثراء الذي أشاعه عنه خصومه في محاولة منهم للمس بمصداقيته بين ناس لا يقبل عقلهم الباطني أن يغتني سياسي في قبيلتهم، فالسباق والمنافسة السياسيان يجب ان يكونا شريفين وطاهرين ويستندان إلى محاكمة الفاعل السياسي عن إخفاقاته وتعثراته في التسيير، لكن أن لا يكون للفاعل السياسي أصلا أي منصب حاسم يهم تدبير الشأن المحلي باعتباره مجرد عضو في مجلس جماعة ترابية معينة ومع ذلك لا يسلم من قصفه بالأباطيل ففي الأمر كثير من الغل والحقد وهما وباءنا ينخران جسد العمل السياسي، وفي الامر استعدادات غير بريئة للانتخابات المقبلة تقوم على إضعاف الخصوم بالإفك .
وعودة إلى علاقة المال بالسياسة، فقد أرغمنا وباء كرونا على مراجعة الدروس وما أكثرها، وتيقنا أننا كنا نفهم درس علاقة المال بالسياسة على غير حقيقته، فما يعيب تلك العلاقة هو أن يعمد السياسي إلى تحويل المنصب السياسي إلى مقلع أو منجم يغتني منه وبه ماليا، حيث يدخل السياسي لركح المنصب السياسي “عريانا” وإذا به يصير”قارون زمانه”، لكن أن يكون الواحد ذو مال وثروة في نشاط أو أنشطة هو يجيدها ويبرع فيها، ويراكم من خلف ذلك ملايير الدراهم وكيلومترات المساحات من العقارات، ثم يفكر في دخول عالم السياسة ويُبقي على مساحة واسعة وواضحة بين تجارته وبين منصبه السياسي، فهذا سياسي مطلوب ومرغوب فيه، فحتى في الدول الديمقراطية تصل الطبقة البورجوازية إلى سدة الحكم، مثل الرئيس الأمريكي دولاند ترامب، ولا أحد عاتبه أو لامه على الجمع بين المال والسياسة، لكن الكل يراقبه بصرامة من أن يستغل السياسة أو المنصب السياسي لإنماء ثروته.
عندما ضرب كوفيد 19 دول العالم، فإن الدول ذات الاقتصادات الهشة كالمغرب استغاثت بمواطنيها الموسرين لدعم إخوانهم الفقراء لتجاوز هول الكارثة، وكانت الرسالة موجهة إلى البورجوازية والطبقة الغنية، فلاحظنا كيف أن سياسيا واحدا مثلا ضخ في صندوق تخفيف الجائحة مبلغ 100 مليار سنتيم دفعة واحدة، وتبعه آخر ب 20 مليار سنيتم، قدماها بصفتهما الشخصية وليس بمنصبيهما السياسيين ولا بنشاطيهما الماليين، وعند البحث في سيرتي هاذين السياسيين فهما أهل ثراء وغنى بغض النظر عن مراكزهما السياسية، بل جاز القول أن مناصبهما السياسية ستؤثر سلبا على مدخولهما المالي.
ونختم أنه ما من مانع ولا عيب في أن يتقلد البورجوازي منصبا سياسيا بل إنه أمر محمود ويكاد يكون فرضا، شريطة أن يكون ذلك البورجوازي وطنيا يفدي وطنه بماله في كل أزمة أو شدة، وحريصا على عدم خلط التجارة بالسياسة، لأن “السياسي الغني خير من السياسي الفقير”، مع اشتراط الصدق والأخلاق والكفاءة والوطنية في كليهما.