الرأي

الصلاة ب”التيليكموند” أو “العبادة عن بعد”

•محمد الشمسي

يواصل فيروس كورونا إفراز أعراض لا يرصدها طبيب ولا مختبر، فبعد الفيلسوف الذي قال “فإن كنتم على كورونا فلا تصوموا “، دعا سياسي مغربي وزارة الأوقاف إلى إصدار “فتوى” تجيز للمصلين في رمضان أداء صلاة التراويح خلف شاشات تلفزاتهم، وفي الوقت الذي كنا ننتظر من هذا “العالم” أن يؤسس مقترحه على سند فقهي وجدنا أن صاحبنا استهواه “التعليم عن بعد” فقام بقياس بلا ضوابط، وقال مع نفسه ” صايمين محبوسين نصليو ورا التلفزة”، وهو يوصي بذلك خوفا من أن يلجأ الناس إلى أسطح المنازل خلسة لأداء تراويحهم، وكأن هؤلاء الناس”على سبة”، وكأن الحجر الصحي “عانزاهة”، وكأنه “مكاين قانون في البلاد”.
ولا نحتاج للتأكيد على أن صلاة التراويح ليست فرضا، ولا نحتاج إلى التأكيد أن الصلوات المفروضة نفسها وقد أغلقت المساجد في وجهها، وأن شعيرة العمرة لشهر رمضان بجلال قدرها قد أغلق الحرمان المكي والنبوي دون أدائها، وأن الحج كفريضة لهذه السنة بات في المظنة، وكل ذلك ليتأكد الناس أن الحق في الحياة يوليه الإسلام مكانة فضلى وعليا، ويضمنه للمسلم ولغير المسلم، وللجنين في بطن أمه، وحتى للحيوان إلا للحاجة، وأن الإسلام جعل حفظ النفس مقدما على حفظ الدين، فهذه المعطيات من المعلومة لدى المسلم.
لكن الذي نود التأكيد عليه أن المؤمن بالله وبقضائه وقدره ، والمُتّبِع لما قررته دولته، والمُجمِع مع أهل الإجماع بخطورة الوباء على نفسه ونفوس أقاربه، والمتيقن أن فرج الله لا يكون إلا بأسباب، يدرك أن الامتثال للحجر الصحي واجتناب التجمعات هي إحدى تلك الاسباب ويبقى السداد والتوفيق من الله، وعليه لن يشق مسلم حقيقي وصادق في دينه، عصا الإجماع ويخرج مخاطرا مغامرا بنفسه وغيره وشعبه، طالبا أداء عبادةٍ جماعةً وخلسةً، وهو يدري أنه يساعد الوباء على التفشي برعونته تلك، التي لن تقرِّبه من الله في شيء، لأن العبادات فرضا كانت أم سنة لا تُقبل من عبد يؤديها ليؤذي بها نفسه وغيره.
ونعود لبعض الاقتراحات الشاذة ليس لنحاكم أصحابها فهم أحرار في التعبير عنها، لكن لنقول لهم أنه ليس كل ما يجول في النفس والهوى يرقى أن يكون مقترحا في الدين، ومن لم يجد شيئا نافعا ينفع به الأمة في همها وغمها فليصمت فقديما قالوا”إذا كان الحديث من فضة فإن السكوت من ذهب”، فالعبادات ليست لُعبًا نتسلى بها، فندعوا لإقامتها خلف شاشة أو مذياع، أو نطوف خلف مجسم الكعبة لتعويض فريضة الحج، العبادات كل لا يتجزأ إلا وفق الرخص الشرعية، وهي في نهاية المطاف جسر بين العبد وخالقه، أينما أقامها حيث يسمح له الشرع و الضرورة بذلك، بصدق وخشوع وخضوع وعلم فقد حقق الغاية المنشودة من عبادته، وإن فقدت عبادته روحها وطعمها وكانت رياء ونفاقا وتهديدا لحياة الناس، فهي مردودة عليه ولو كانت في حرم مكة المكرمة، لذلك دعونا نعبد الله عن قرب وليس عن بعد، فهو دوما قريب وهو القائل ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان” فتقيدوا بحجركم الصحي رحمكم الله، فالله معكم أينما كنتم، واعلموا ان الصلاة ب” التيليكوموند” فيها غلو وعصيان وتهديد للحياة، واعلموا أن الخروج من البيت بلا ضرورة في اي ليلة من ليالي رمضان يقود إلى السجن وليس إلى المسجد، وانتهى الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى