يحكى أن كلبا عاش طوال حياته ، مشكلة كبيرة مع ذيله ، فقد كان يحاول هذا الكلب المسكين الإمساك بذيله بواسطة أسنانه ، ولكنه لم يكن يستطع ذلك ،لأن المانع كان فيزيولوجيا ، وظل ذلك الكلب على تلك الحال حتى مات .
فأما عن سبب نزول هذه القصة فهو انشغالنا ببعض التفاهات التي لا تستحق منا كمغاربة كبير اهتمام ، كان لزاما علينا ان نتجاوز بعض تلك المشاكل التي توازي في اهميتها مشكلة الكلب مه ذيله ، مشاكلنا التافهة هذه التي يريد بعضهم استكلابنا بها ،لاتستنزاف بطاريات تفكيرنا منها :
ـ تعري عاهرتين في ساحة صومعة حسان بالرباط ، معتقدتين ان العالم سيتوقف لتعريهما .
ـ تعري مغنية في مهرجان من مهرجاناتنا ، وهي مغنية دفعنا لها من مالنا العام مليار سنتيم لاجل رؤية كيلوطها .
ـ تعري مغن في نفس المهرجان وقد حمل ظهره اسفارا كتب عليها ملفه المطلبي الرامي الى حذف الفصل القانوني المعاقب للشذوذ الجنسي من القانون الجنائي المغربي ، (وانظروا كيف وأين و من يريد ان يعلمنا التشريع ؟)
ـ فيلم اباحي لمخرج مراهق شغوف بالتفرج على العلاقات الجنسية بين اشباه ممثلين شغوفين بالبحث عن المال ويبيعون الرشف والكرامة والجسد لاجل ذلك ؟
ـ جريدة تخصص غلافها للمثليين ثم تسحب اعدادها من السوق معتذرة اعتذار الذئب للقطيع الغنم
ـ كلب مسكين تعرض لعملية همجية لاستئصال اعضاء من جسمه مات بعدها في صورة مقززة لا توحي ان مقترف الفعل ينتمي الى سلالة آدم التي كرمها الله .
ـ تسريب امتحان البكالوريا في فانتازيا الاستغلال الخاطئ للتكنولوجيا والمواقع غير الاجتماعية .
ان كل هذه الامور حتى لا اقول المشاكل لا يمكن ان تشغلنا ونضيع في مناقشتها طاقاتنا ، فالذي يجب ان يشغلنا هو مشاركتنا وبكثافة في النقاش الدائر حول ترسانة القوانين التي هي بصدد الخروج من شرنقة مشاريع القوانين والتحول الى قوانين مكتسبة الحجية ، فالذي يجب ان يشغل رواد تلك المواقع الاجتماعية التي باتت تعج بالتفاهات ، هو مشروع القانون الجنائي وبعده مشروع قانون المسطرة المدنية ثم مشروع قانون المسطرة الجنائية ، هي قوانين قيد المناقشة الآن كمشاريع ،وستتحول القوانين قطعية ، فاين نحن من ابداء وجهات النظر في هذه المشاريع التي ستحكمنا وستحكم ابنائنا من بعدنا ، اين نحن من المساهمة في هذا النقاش واثرائه بملاحظاتنا وتجاربنا كل من موقعه ، ثم هناك الانتخابات التي ستجرى في نهاية صيف هذه السنة ، اين نحن من دفع تلك الاحزاب المتشرذمة الى ان “تجمع الوقفة” ، وان تشرع في مخاطبتنا ليس كاعداد انتخابية بل كمواطنين هم من سيحكم يوم الاقتراع ، فلنرفض تزكيات الاعيان ومالين الشكاير ، ولنرفض بيع التزكيات لاصحاب السوابق في تبديد المال العام ، اين نحن من من هذه العملية التي ستحكمنا وستحكم اجيالا من بعدنا ، لنقف سدا منيعا في وجه ما تبقى من هذه الاحزاب ، ولنهدم جدرانها المتآكلة بمعاول الفكر والنقاش والفضح والإحراج ، اين نحن من المساهمة في تنزيل الدستور في شقه المتعلق بمساهمة المواطن العادي في تسيير الشان المحلي بواسطة عرائض يقدمها ، كيف لنا نحن معشر المواطنين ان نتكتل ضد تلك الاحزاب الهرمة ، والنقابات الانتهازية ، والجمعيات الوصولية ، كيف نصبح شعبا نخط مصيرنا باصواتنا ومساهماتنا ، ألسنا نحن هم الشعب ؟ ، أليس كل شيء هو لنا ومنا ولأجلنا ؟ فكيف نسمح للسماسرة والانتهازيين والجهال بأن يسطروا لنا مستقبلنا ومستقبل ابنائنا .
نحن معشر الشعب غير المنتمي لواحدة من تلك الاحزاب المنخورة ، ولتلك النقابات الخاوية ، ولتلك الجمعيات المقامرة ، نحن هم اصحاب القرار ، هذا ما يجب ان يوحدنا وان يستنزف طاقاتنا ، أما انشغالنا بكبت نبيل عيوش ، وشبق ممثلاته ومثلية ممثليه ، وانشغالنا بتعري جينفير لوبيز في مهرجان موازين وهي التي خلقت لتتعرى ، وانشغالنا بتعري عاهرتين لا تقيمان حرمة لجسديهما ، وانشغالنا بتسريب امتحانات البكالوريا التي يراد من خلفها الانتقام من وزارة التربية الوطنية التي قررت منع اساتذتها من العمل الاضافي لدى المدارس الخصوصية فجاءت التسريبات كانتقام من الوزراة من جهة وكاستعراض طفولي للقدرة على زرع الفتنة ،وانشغالنا بكلب وددنا لو لم نطلع على منظره وقد فعلت فيه أيادي الكانيباليزم ما فعلت ، كل هذا لا يجب ان يشغلنا عن قضايانا الكبرى ، قضية الانتخابات بجميع فروعها والتصدي للسماسرة فيها ، وقضية مشاريع القوانين من القانوني الجنائي الى المسطرة المدنية الى المسطرة الجنائية ، فبهذه القوانين سيحاكم بعضنا البعض غدا ، لا نريد ان تحولنا بعض الجهات الى قصة ذلك الكلب المنشغل بذيله ، يظل يومه كله يدور في مكانه يحاول عظ الذيل فلا يصل اليه ، حتى يغالبه العياء فيتمدد فوق كومة من القش في انتظار استراحته من دورانه حول نفسه ، ليشرع في الدوران بمجرد ان يتعافى ، لا تستكلبوننا يرحكمكم الله ، فلسنا كلابا يشغلها الدوران حول ذيولها .