تربية وتعليم

نافذة مفتوحة على كلية الحقوق بمكناس

ظلت كلية الحقوق بمكناس تعيش على امتداد ولاية العميد الحالي نوبات من الاحتقان والتذمر في صفوف الأساتذة والطلبة على حد سواء، وتتخبط في عدد من المشاكل المتراكمة والمتفاقمة، نتيجة سوء التدبير الإداري والبيداغوجي، الذي تنهجه الإدارة، مما جعلها تحظى بسمعة سيئة في الوسط الجامعي الوطني، ولعل أقل ما يمكن أن نفتح النافذة للإطلال عليه من خلال هذا المقال، جملة من المظاهر التي تدمي القلب: طريقة تدبير مباريات التوظيف، طريقة تدبير حراسة الامتحانات، طريقة تدبير تفويج الطلبة وساعات التدبير، تهميش المكتبة، تهميش مكاتب الأساتذة التي تشبه قاعات مدرسية مهجورة، هدر المال في الهدم وإعادة البناء بما يحدثه ذلك أثناء إلقاء المحاضرات من ضجيج الآلات، إزالة الكراسي وتعويضها بكراسي جديدة.. إلخ.

– طريقة تدبير مباريات التوظيف: لعل في مقدمة المشاكل التي تثير استياء الأساتذة وتذمرهم، ما دأب عليه السيد العميد، في تحد صارخ لهم، بمساعدة نائبه المكلف بالبحث العلمي (والذي بالمناسبة يوجد في حالة تنافي، لجمعه بين المسؤولية الإدارية والمسؤولية العلمية، فهو مكلف بالبحث العلمي ومسؤول عن مركز الدكتوراه في الآن ذاته)، من إسناد عضوية لجان مباريات تعيين أساتذة التعليم العالي مساعدين في مناصب القانون الخاص إلى نفس الأشخاص، حيث يلاحظ تكرر أسمائهم في جل المباريات دون أي اعتبار للتميز العلمي، ودون أي مراعاة للكفاءات التي تتوفر عليها الكلية، وهو ما كان يثير العديد من الشبهات حول نتائج تلك المباريات، ويجر عليها الكثير من القيل والقال، خصوصا وأن الناجحين من المترشحين غالبا ما يكونون من خارج الكلية عموما، إذ لا حظ للطلبة الدكاترة المنتمين للكلية، على الرغم من كفاءتهم وتميزهم، في الوقت الذي تستقطبهم مؤسسات أخرى لم تسهم في تكوينهم ولا في إعدادهم.

 

وحيث وصل السيل الزبى في هذا الأمر، وتجاوز العبث كل الحدود، حتى أصبح الأمر لا يطاق ولا يحتمل، وصار الأساتذة يستشعرون المهانة والذل، نتيجة التهميش وتحطيم المعنويات، سارع أعضاء مختبر القانون والتنمية بالكلية يوم الخميس، الموافق لـ 10 يناير 2023، إلى عقد اجتماع طارئ، لتدارس ما آلت إليه أوضاع الكلية وما أصبحت تعانيه من مشاكل بالجملة، مع التركيز على المشكلة المذكورة، وبعد نقاش جماعي جاد، أجمعوا على التنديد بهذه الممارسات التي تتنافى مع دولة الحق والقانون، ومع كل ما يتطلبه الوضع من تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، التي دعا إليها صاحب الجلالة.

 

– طريقة تدبير حراسة الامتحانات: الأصل أن حراسة الطلبة أثناء اجتياز الامتحانات تسند إلى الأساتذة، مع فتح إمكانية الاستعانة بطلبة الدكتوراه والماستر، خصوصا في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، التي تعرف اكتظاظا في صفوف الطلبة، كل هذا لا إشكال فيه، إذا استحضرنا الروح الجماعية للأساتذة، غير أنه عندما يتسلل منطق الانحياز حتى في هذا الباب يصبح الأمر حينئذ نشازا ومستهجنا، وهذا ما يحصل في كلية الحقوق بمكناس، فبعد أن كانت الإدارة تعلق لائحة الأساتذة وأماكن وأوقات حراستهم على لوحة الإعلانات، ليطلع عليها الجميع، بما في ذلك الطلبة في حال ما إذا أراد أحدهم لقاء أستاذه، ارتأى نظرها السديد أن ترسل إلى كل أستاذ على حدة مكان وزمان حراسته، والسبب واضح، هو أن أساتذة مقربين من الإدارة يستنكفون عن الحراسة، ولم تكن تستفسرهم عن غيابهم ولا توجه إليهم أي إنذار أو عتاب، على خلاف الأمر عندما يتغيب أحد المغضوب عليهم، إذ يسارعون إلى توجيه سهام النقد اللاذع إليه، ويمطرونه بوابل من العتاب القادح، ولما أثارت هذه الازدواجية في التعامل حفيظة الأساتذة واستنكارهم، وكأن هناك أساتذة من الدرجة الأولى وأساتذة من الدرجة الثانية، في ضرب صارخ لمبدأ المساواة كمبدأ دستوري وكوني، عملت الإدارة على تغيير منهجها، حتى لا يفتضح أمر أولئك الأساتذة، وكأنها تحمي استهتارهم وتخاذلهم عن القيام بواجبهم المهني.

 

– طريقة تدبير تفويج الطلبة وساعات التدريس: لعل النظام الجامعي الحالي يقتضي تفويج الطلبة إلى أقصى عدد ممكن من الأفواج حتى يسهل التواصل بين الأساتذة والطلبة، لكن الأمر على خلاف ذلك في كلية الحقوق بمكناس، حيث المدرجات ممتلئة إلى حد لا يطاق، خاصة على مستوى الفصول الأربعة الأولى، وعندما يشتكي الأساتذة من هذا الأمر يكون مبرر الإدارة هو عدم وجود مدرجات وقاعات كافية، وهذا صحيح، ولكن مع ذلك كانت هناك اقتراحات من بعض الأساتذة خلال أحد اجتماعات الشعبة، أن يتم قصر الحصة الدراسية على ساعة واحدة ونصف عوض ساعتين، خصوصا وأن ما يسطر في جداول استعمال الزمن لا يبدو منطقيا ولا مقبولا، فالمفروض حسب هذه الجداول أن يبدأ الأستاذ حصته مساء مثلا في الثانية ونصف، وينتهي في الرابعة ونصف، أي في التوقيت الذي ينبغي أن يبدأ فيه الحصة الثانية مع فوج آخر، مع العلم أن الخروج من مدرج والانتقال إلى مدرج آخر قد يستغرق ربع ساعة للبدء في المحاضرة الجديدة، مما يعني أنه عمليا يتبقى من عمر الحصة ساعة ونصف، وهي المدة التي تم اقتراحها بدلا من ساعتين، ومع ذلك لم تعر الإدارة أي اهتمام لهذا المقترح، مع ما فيه من فائدة تكمن في فراغ المدرجات، مما يمكن استغلاله في مزيد من التفويج، خاصة وأن هناك أساتذة بالجملة عاطلين عن العمل، بحكم أنه لم تسند إليهم أي مواد، رغم أنهم أساتذة مؤهلون.

 

– تهميش المكتبة: تعتبر المكتبة القلب النابض في المؤسسة، والمرآة العاكسة لاهتمام الإدارة بالشأن العلمي، ولذلك من المفروض أن تخصص لها ميزانية سنويا لمواكبة التطورات التي يعرفها البحث العلمي في شتى الحقول المعرفية، وفي مقدمتها الحقل القانوني بحكم تفريخ القوانين، وتنوع الإصدارات في شأنها، سواء تعلق الأمر بالكتب أو بالمجلات، أو بغيرهما، غير أن إدارة كلية الحقوق بمكناس لها وجهة نظر أخرى، قد تبدو غريبة، وهي أن الكتب منشورة في الإنترنت، وبإمكان الطلبة الولوج إليه بسهولة، ولذلك لا حاجة إلى هدر المال في اقتناء كتب جديدة، بمعنى أن تزويد المكتبة بما يلزم لمساعدة الطلبة على إنجاز بحوثهم غير داخل ضمن اهتماماتها، وقد فاتهم أن هذه حقيقة ليست مطلقة، وهذا ما جعل الطلبة يضجون ويستنكرون أحيانا ويتأسفون أحيانا أخرى، خصوصا عند عجزهم عن إنجاز البحوث وفق المستجدات القانونية التي عرفتها المنظومة التشريعية ببلادنا، وهو ما يشكل إرهاقا لهم، حيث قد يضطرون للسفر إلى كليات أخرى لنيل مرادهم وتحقيق مبتغاهم، كما يشكل إزعاجا للأساتذة المشرفين أنفسهم، نظرا لتدني مستوى البحوث وغياب الجدة فيها بسبب افتقارها إلى المراجع الحديثة.

 

– تهميش مكاتب الأساتذة: المكاتب هي المكان الطبيعي الذي يقضي فيه الأساتذة مدة ليست بالهينة ليستقبلوا فيها طلبتهم، ومناقشتهم، وتوجيههم، والإجابة عن تساؤلاتهم، ولذلك من المفروض أن تكون مستوفية لأدنى الشروط المطلوبة، وأن تكون على مساحة تتسع للأستاذ ولاثنين أو ثلاثة على الأقل من الطلبة، لكن الناظر إلى المكاتب بكلية الحقوق بمكناس ليفزع عند رؤيتها، فهي أشبه ما تكون بقاعات مدرسية مهجورة، لا مكيفات، ولا مكاتب تسر الناظرين، ولا أقلام، ولا أوراق، أرضية مهترئة كأنها من عهد الاستعمار، يوجد مكتبان أو ثلاثة في كل قاعة، وهناك من الأساتذة من لم يجد حتى إمكانية الانضمام إلى أحد المكاتب لأن المكان لا يسعه، مما يكون مضطرا لتقديم حصته ثم الانصراف، وإذا ما أراد لقاء طلبته عليه لقاءهم في مرآب السيارات.
– هدر المال في الهدم وإعادة البناء: قد يتساءل القارئ في ضوء ما سبق عن مآل ميزانية المؤسسة، مادامت لا تصرف في اقتناء كتب تفيد الطلبة والأساتذة على حد سواء، ومادامت لا تجهز بها مكاتب الأساتذة بما يليق بهم، الجواب قد يجده عند أولى خطواته، بدءا من باب الكلية إلى داخلها، عمال يهدمون هنا، وعمال يبنون هناك، وضجيج الآلات يعم المكان، كل هذا يحصل على مدار الساعة منذ سنوات، وازداد ذلك حدة في الآونة الأخيرة التي توافق قرب انتهاء ولاية العميد الحالي بشكل لافت للانتباه، لا فرق بين أوقات المحاضرات وبين غيرها، فضلا عن إزالة كراسي المدرجات وقاعة الندوات، وتعويضها بكراسي جديدة، رغم أن ما تم إزالته لا يعتريه أي عيب يبرر التخلي عنه، وهو ما أثار استغراب الجميع، متسائلين عن السبب في ذلك، دون الوقوف على إجابات محددة، إلا ما كان من بعض التفسيرات التي تصب في اتجاه أن العميد يحاول تبرير صرف نفقات سابقة أو حالية.

 

كل هذه المظاهر وغيرها، التي يمكن الوقوف عليها من خلال معاينة ما آلت إليه الكلية، تستوقف كل غيور على بلاده، وتشد انتباهه، وتجعله يشعر بحرقة داخله، دون أن يكف عن التساؤل: كيف أننا نعيش في دولة الحق والقانون ولا حسيب ولا رقيب؟، أليس في المسؤولين من رشيد؟، إلى متى يستمر هذا العبث في التسيير والتدبير؟، وبعبارة، فالأساتذة يستغيثون فهل من مغيث ؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى