الشيخ و المريد و الحشاشون الجدد

ادريس حسناوي

0

يعتبر الحجاج حسب بيرلمان دراسة لتقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم. في الخطاب السياسي على سبيل المثال يمكن أن نجمل الحجاج في ثلاثة أساليب: فني بلاغي، كالتكرار و التمثيل، و عقلي منطقي، كالتقسيم و المقابلة، و لغوي نفسي يستهدف التأثير في المتلقي وجدانيا بشكل سحري مع الحرص على تنويم الفكر النقدي لدى المتلقي.
في هذا السياق تكلم شيخنا، “هل الشر يأتي بالخير؟!” فيما حرك المريدون جماجمهم بالنفي، قبل أن يستدرك: هل يمكن أن تتنمى مناطق جبالة و الريف بالكيف؟ صمت المريدون إشارة على موافقة ما يرمي إليه الشيخ، إنه الشيخ و الزعيم، و لا يجوز في أخلاق سالك الطريق مخالفة الشيخ و إلا ضاع الطريق و سقطت مراتب الأحوال و تبخرت الكرامات السبع السمان والعياذ بالله. و بعد أن استوى و تجشأ، و قيل أنه ضرط مستغفرا الله، استطرد: حين نسمح بزراعة الكيف، هل ستتسع رقعة المخدرات أم ستضيق؟ و حين تتسع ستكثر المصائب، و ستمس سمعة البلد، و ستكثر الجرائم، جرائم قتل الأصول، السماح بزراعة الكيف دمار مبيت لأمة بأكملها، و خطر انفصالي لا قدر الله. ليندمج المريدون و المجاذيب في تصفيق و تهليل إعجابا بما فتح الله به على الشيخ من حكمة لم نحط بها علما، و لم يتوقفوا إلا و الشيخ يشير بيديه الكريمتين مستطردا دون تعوذ أو بسملة، كيف و هو الشيخ العارف الواصل الذي جاهد النفس و ترقى في مراتب الأحوال حتى سقط عنه البروتوكول الإلهي: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا”. فبهتت المعارضة.
حين نقرأ هذا الخطاب من زاوية بنيته الحجاجية نجده لا يخرج عن المثلث المذكور في الخطاب السياسي، و لو أنه صيغ في قالب مشوه إلا أن لبوسه الديني يضفي عليه لمسة مخدرة تتجاوز الفكر و الوجدان إلى اللاوعي المثقل بالعجز و الخيبات، التواق إلى عالم أفضل في إعادة بئيسة ركيكة لسيناريو طائفة الحشاشين. المقابلة بين الخير و الشر لرمي المتلقي في دائرة الإحراج، و تقسيم المشكل إلى عناصر مترابطة لإيهامه بعقلانية و منطق الخطاب، ليجهز عليه في الأخير بحجة سلطة من النص المقدس.
قد يبدو البناء الحجاجي لهذا الخطاب عرضيا عفويا في الوهلة الأولى لطابعه الشعبوي البسيط، لكنه منظم وفق قواعد محددة سلفا متعارف عليها في الخطاب السياسي. لكن شيخنا يذكرنا بقصة بائع الخمر الذي غش في إحتساب الفكة التي يجب أن يردها على الزبون، ليبادره الأخير “راني مازال ما سكرت ا الشريف”. قبل أن نتساءل إن كان الشر يأتي بالخير يجب أن نعرف ما الشر و ما الخير، و هل تثمين المنتوج الفلاحي الوحيد الصالح لجغرافية الأرض و الذي من شأنه تنمية مناطق جبالة و الريف و كتامة و إنقاذ آلاف الأسر الفقيرة يعتبر شرا؟! و هل العيش في حالة اللاأمان الاجتماعي و الصحي و الغذائي يعتبر خيرا؟! و بأي وجه حق نربط بين زراعة الكيف و انتشار المخدرات؟! و هل انتشار الجريمة مرتبط بزراعة الكيف أم بتدبير قطاعي؟! و بأي معنى تعتبر زراعة الكيف دمارا مبيتا للأمة و خطرا انفصاليا؟ أمام هذا الأمر بارت تجارة شيخنا و باء حجاجه بالفشل، فخرج عن طوعه رافعا شعار تجميد عضويته في الزاوية و مخاصمة كل المريدين و تركهم في طغيانهم يعمهون،
إن الربط التعسفي الذي قام به شيخنا لا ينطلي إلا على مغفل، أما النص الديني فلن نستغرب إن استعمله كورقة يبرم بها مخدراته السياسية بعد جوان “الاقتطاع” من الأجر المذكور في القرآن. حتى لا تختلط علينا الحجة بالمغالطة، يجب ألا ننسى أن شيخنا و مريديه قد أذنوا فينا ذات خطاب أن المبدأ عندهم هو هداية الناس، فكان ذلك أكبر جوان لا زلنا ليومنا هذا نصك وجهنا لكي نفيق من دوخته.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.