هل يقرر برلمان البام غدًا الخروج من حكومة أخنوش؟

مراد بورجى

0

لم يُسمع “همسٌ” لاجتماع المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة المزمع انعقاده يوم غد السبت بقاعة أبي رقراق بمدينة سلا، سوى بعض الإشارات المتطايرة، هنا وهناك، حول احتمالات غضبٍ ظل “مكتوما” منذ تشكيل حكومة أخنوش…

بعض الغاضبين من داخل وخارج برلمان حزب الأصالة والمعاصرة يرون أن الحزب انطفأ إشعاعه بعد أن قُدم قربانًا في الظلام، للملياردير عزيز أخنوش كي يضفي به الشرعية كحزب يمكن المساومة به لانتزاع المشروعية مادام لم “تُفض بكارته بعد”، كل هذا مقابل “حُقيِّبات” وزارية هامشية، في حكومة صار يلعنها القاصي والداني منذ شهورها الأولى.

“لعنة” طاردت رئيس هذه الحكومة خلال 14 سنة قضاها كوزير “دائم” في ثلاث حكومات متعاقبة بسبب اتهامه بالخلط بين المال والسياسة إلى أن توّجته “جود” رئيسًا في الانتخابات الأخيرة.

لعنة الأمس أصبحت اليوم “لعنتين”: لعنة بصفته “بزناس مان” يخلط بين المال والسياسة، ولعنة بصفته رئيس حكومة يتهمه السواد الأعظم من الرأي العام الوطني هو ومن يُشاركه الحكومة بأنهم لا يكترثون بما يعانيه الشعب مع قوته اليومي.
ربّما أن عزيز أخنوش يريد أن “ينتقم” من حزب البام و”أصحابه” على كل تلك السنوات، التي ظلَّ فيها هو وحزبه، التجمّع الوطني للأحرار، ظِلًّا خافتا وتابعا لحزب الأصالة والمعاصرة، ولذلك بدا مثيرا أن أخنوش اعتبر أن البام، ثاني قوة سياسة في المغرب، أقل من أن يشغل أمينه العام رئاسة مجلس النواب، فسلّمه وزارة العدل، التي سبق أن قال فيها عبد اللطيف وهبي الكثير حينما وجّه انتقادا لاذعا لوزير العدل السابق الاتحادي محمد بنعبد القادر، وقال له، ما معناه، إن وزارة العدل أصبحت خاوية على عروشها بعد أن استقل عنها الجهاز القضائي.

وهو الشيء نفسه، الذي تمّ التعامل به مع رئيسة المجلس الوطني للبام فاطمة الزهراء المنصوري، عندما حذّرها السي أخنوش حينما كان يُشكّل حكومته من أن مجرّد التفكير في حقيبة وزارة مثل الداخلية فهو ممنوع، لسبب بسيط هو أن هذه الحقيبة هي حقيبة “سيادة”، الحل والعقد فيها ليس بيديه حسب ما كان يروج. ولم يحترم السي أخنوش، مرة أخرى، مكانة البام في المشهد السياسي، وجعل رئيسة برلمانه تتقلد حقيبة تضمّ قطاع التعمير، الذي يترأسه من وراء حجاب وزير الداخلية.

أما منتظر البام السي المهدي بنسعيد، فقد كان حريًا بالرئيس أخنوش ألّا يقلص حقيبة من الحقائب الثلاث، التي كان يتقلّدها الوزير الدستوري عثمان الفردوس، بل إن واجب الاحترام لعدد مقاعد حزب الأصالة والمعاصرة الـ87 مقابل الـ18 التي حصل عليها الاتحاد الدستوري، كان يجدر أن ينضاف إلى مسؤوليات السي المهدي قطاع الناطق الرسمي باسم الحكومة لتكوينه ولتعدد لغاته، التي يفتقر إليها ناطقهم، فإذا بأخنوش ينزع منه قطاع الرياضة.

إنه ذلٌّ ما بعده ذل تعرّض له حزب “الهمة سابقًا”، بعد تغييب حكمائه وهياكله، التي كانت معطلة خلال اتخاذ قرار المشاركة في الحكومة، ما أدى إلى سوء تقدير، حتى أصبح الكثير من الأطر المؤسسة للحزب، ممن شاركوا في وضع لبناته الأساسية، في سياق الدينامية الإيجابية، التي كان يعرفها الحقل السياسي المغربي، وفي إطار التجاوب التفاعلي مع العرض السياسي المتقدِّم، الذي بلورته حركة لكل الديمقراطيين، يدقّون اليوم أجراس المسؤولية حول مآل الحزب، الذي ينحدر إلى الهاوية، ويسائلون أمينه العام: “فين غادي بينا أخويا؟”!

ليس في هذا أي مزايدة، على الإطلاق، لأن هناك الكثير من الأطر الذين يطرحون هذه المساءلة من زاوية الغيرة على حزب قوي، جمع أطيافا من الفاعلين السياسيين والمدنيين، وشكّل لقاء لتظافر جهود يساريين مع ليبراليين مع حداثيين وحقوقيين وجمعويين، وظل مفعما بالآمال في بناء مغرب المستقبل، مغرب يؤمن بالاختلاف والتعدد، مغرب يتوحّد حول سقف يسع جميع المغاربة، فإذا به يتحوّل، اليوم، إلى حزب بلا طعم ولا رائحة، إذ لم تمر سوى شهور قليلة حتى طمست هذه الحكومةُ هويةَ وتاريخَ حزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي تأسس، بالأمس، باندماج خمسة أحزاب سياسية وحركة لكل الديموقراطيين وعشرات البرلمانيين والمستشارين كان شكل بهم فؤاد عالي الهمة، بعد حصوله على مقاعد الرحامنة الثلاثة، فريقين برلمانيين بدون انتماء حزبي، وأشهروا استقالتهم الجماعية في وجه وزير الداخلية آنذاك شكيب بنموسى ورئيسه عباس الفاسي… الحزب الذي كاد أن يُطيح بحكومة عباس الفاسي، لولا “المزاوگة”! الحزب الذي حدّ من امتداد حزب الإسلاميين! والحزب الذي كان حزب الأحرار، إلى حدود الأمس القريب، يعتبر “تلميذ البام النجيب”!

أمّا اليوم، فلم يعد يُسمع همسٌ لحزب الهمة ونرجس وحسن بنعدي وبيد الله وإلياس وبنشماس وبلكوش والباكوري وعلي بالحاج والخديجتين الرويسي والگور وصلاح الوديع وعبد الوحيد خوجة وفتيحة العيادي وميلودة حازب وشاكر الطاهر وسمير عبد المولى وفريد واللائحة طويلة…

بهؤلاء القادة “الحقيقيين”، كان يُجمع مناضلو الكثير من الأحزاب على أن البام هو من كان يُعيِّن أمناءها العامّين.

كل هؤلاء القادة، أو من بقي منهم، ومعهم الأغلبية الساحقة من مناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة كانوا قد أخذوا على عاتقهم ألاّ يشاركوا في حكومة يترأسها حزب آخر غير البام، لسبب أساسي كان عليه الإجماع، وهو أن كل أحزاب الساحة السياسية المغربية، الإدارية منها أو حتى التقليدية، اليمينية واليسارية، سبق لها أن تورطت في تدبير الشأن الحكومي، الذي افضى بالمغرب إلى هذا الوضع الكارثي، الذي دفع الملك محمد السادس إلى الإعلان عن فشل النموذج التنموي السابق، وبالتالي، كان حزب البام هو الوحيد الذي لم يتورط في التسيير الحكومي الفاشل.

لكل ذلك، لم يتصور أحد، لا من داخل حزب الأصالة والمعاصرة ولا من خارجه، أن يتورط البام في حكومة أخنوش، التي تثير غضب الشارع وتدفعه يوما عن يوم نحو الانفجار، بسبب سياساته وقراراته اللاشعبية واللاديمقراطية، وانعدام تواصلها وعدم مبالاتها تُجاه الارتفاع الصاروخي للأسعار، الذي قد ينهي عمر الحكومة قبل نهاية سنتها الأولى، وتنهي معها المسار الريادي لحزب جاء لخلاص المغرب من العبث السياسي.

ولكل ذلك، أيضا، يبدو أنْ لا حل اليوم إلا بأن يتحمّل أعضاء المجلس الوطني كامل مسؤولياتهم غدًا ليطلبوا من وزرائهم تدبير الخروج من الحكومة بسرعة حتى لا يؤول حزب الأصالة والمعاصرة إلى ما آل إليه حزب عتيد مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي نزلت شعبيته إلى الحضيض بسبب استهتاره بـ”الخروج عن المنهجية الديمقراطية” وإصراره على المشاركة في حكومة إدريس جطو، وكذلك ما آل إليه حزب العدالة والتنمية، الذي لم يستطع أن يفي بوعوده الانتخابية، فانتقم منه جمهور الناخبين وأردوه إلى أسفل سافلين.

وفضلا عن كل هذا وذاك، فالباميون يدركون جيدا، اليوم، الهدف المبيّت للسي أخنوش إزاء حزب الأصالة والمعاصرة، إذ لا يخفى على أحد أن أخنوش سبق أن عبّر عن سوء نيته عندما كان يجس النبض بالترويج لتعديل حكومي يريد أن يبعد فيه وزراء من البام ليحمّلهم مسؤولية فشل حكومته، إلاّ أن الملك لم يُعر ذلك اهتمامًا. لكن ذلك لا يعني أن أخنوش نفض يديه من نيته المبيّتة، إذ يخطط لتنفيذها في الوقت المناسب، مما يضع عضوات وأعضاء برلمان البام، غدا السبت، أمام مسؤولياتهم التاريخية: فإما أن يكونوا باميين، ويستعيدوا وهج وإشعاع وقوة البام، بإعلان رغبتهم في ترك حكومة أخنوش قبل أن يقوم بذلك حزب الاستقلال..
وإما أن يحكموا على أنفسهم بموت بطيء، يتحوّلون معه إلى أذيال تابعين لكبير تجار المحروقات، إلى أن تتطاير شظاياها وتحرقهم أسعارها! واللهم إني بلّغت…

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.