الرأي

محمد ساجد: حين يوقظ العنف في الجامعات نزعات العنصرية

لقد بلغ العنف في الجامعات المغربية مرحلة الخطر بامتياز، إذ أضحت الأخبار تطلع علينا كل يوم بمواجهات عنيفة بين الفصائل الطلابية المختلفة، تخلف ضحايا بين شباب يفترض فيهم الإقبال على التحصيل العلمي، ولغة العقل والفكر بدل لغة الأجساد. والأخطر من ذلك أن هذه الصراعات لم تعد مقتصرة على الدوافع الإيديولوجية والاختلافات السياسية وحسب، وإنما صارت محكومة بدوافع قبلية وانتماءات جغرافية، حيث نجد اليوم في مختلف الجامعات والأحياء الجامعية تكتلات طلابية على أساس جغرافي تتصارع فيما بينها لأسباب واهية في كثير من الأحيان، مما ينذر بإفلاس قيمي يهدد الأجيال اللاحقة، ويؤجج أوزار النزعات العنصرية بين أبناء الوطن الواحد، خصوصا ونحن نتحدث عن شباب في مستواه العالي من التكوين وذي قدر كبيرة على التأثير في أوساط المجتمع.
قد يبدو هذا الأمر عاديا للبعض وسيتم تجاوزه، لكن احتمال اتساعه بات أمرا ممكنا جدا على المديين المتوسط والبعيد، نظرا للإمكانات التواصلية المتاحة لبث هذا النوع من النزعات العنصرية في صفوف الأجيال الصاعدة، وترسيخ الكراهية والحقد بدل التسامح والتعاون. ويحتاج هذا الأمر إلى الوقوف عند الأسباب النفسية والاجتماعية وغيرها التي تؤدي إلى تناميه في صفوف الطلبة، ومساءلة منظومتنا التعليمية في الجامعات، والتي تعرف اختلالات بالجملة تتراكم عاما بعد آخر، نتيجة الاكتظاظ وتهالك مضامين التكوين وطرائقه، وغياب فضاءات تستجيب لتطلعات الطلبة، ناهيك عن أوضاعهم الاجتماعية باعتبار أغلبهم من الفئات الهشة اجتماعيا.
إن تنامي ظاهرة العنف في الجامعات يحتاج إلى بحث سوسيولوجي لتوضيح خلفياته وأبعاده، لكن تشخيصا أوليا لها يبين لنا أن هذا الإقبال على التكتلات الإيديولوجية والإثنية ودغمائية الانتساب إليها حد العنف بأنواعه الثلاثة: الرمزي واللفظي والمادي، راجع إلى عدم الإحساس بالأمان والبحث عن الحماية من جهة، وإلى غياب التأطير التواصلي من جهة ثانية. أما فيما يتعلق بالسبب الأول فمرده إلى تراكم الصمت حول سلوكات بعض الطلبة تجاه زملائهم، وبعض المعاملات في إدارة الجامعات والأحياء الجامعية.
أما السبب الثاني فمرده أن الجامعات تغيب فيها الفضاءات والأنشطة التي تذيب المواقف السلبية والأحكام المسبقة، وتساعد على التواصل بين الطلبة من مختلف المناطق والتوجهات، زد على ذلك ضعف التكوين الفكري الممتدة عوامله إلى مرحلة التعليم المدرسي، والاكتظاظ وضعف المضامين والأساليب مثلما أشرنا إلى ذلك آنفا، دون أن ننسى غموض الأفق، والحيف الذي يطال العديد من الطلبة في التقويم الذي يخضع أحيانا لأهواء بعض الأساتذة وغياب آليات المراقبة والتتبع، مما يشرع الأبواب أمام إمكانيات أخرى غير المعايير الموضوعية المرتبطة بكفاءة الطالب.
إن مشكلة العنف في الجامعات ليست مسألة محصورة بين أسوارها، بل هي مشكلة بنية ذهنية اجتماعية بكاملها، لكنها تجد الفضاء الخصب للتعبير عن ذاتها والبروز للعلن في الوسط الجامعي، نظرا لإمكانية التكتل المتاحة وتوفر المسوغ الإثني والإيديولوجي لها، ودخول عوامل أخرى تعمل على مفاقمتها إلى حدود الايذاء البدني المتبادل بن الفرقاء. ذلك العنف بدوافع إيديولوجية يطال اليوم مختلف المؤسسات، فنجده في الأحزاب السياسية وفي المؤسسات المنتخبة بين الاتجاهات السياسية المختلفة. من أجل ذلك ندعو إلى مقاربة شاملة لإشكالية العنف عموما، وداخل الجامعات خصوصا، اعتمادا على دراسات علمية تشخص حيثيات الظاهرة بعمق، مع التسريع في معالجة الأسباب المباشرة التي أوضحناها سابقا ولا تحتاج زمنا طويلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى