من كان منكم بلا خطيئة فليرم ماء العينين بحجر

محمد الشمسي
ما بال الأمة تغلي وتغلي بسبب هذا الكشف “الأخلاقي” العظيم ؟ ما بال “النخبة” تهرب من الانتظارات الحقيقية للشعب وتشغله بتطاحنات ” العيال ” ؟ ، و تعلن حروبها على امرأة لمجرد ” صورة أو ألبوم صور حتى ؟ ، ماذا اقترفت السيدة آمنة ماء العينين من كبيرة تستحق عليها كل هذه المداهمة الوحشية لخصوصياتها ؟ ، هل ضبطت السيدة تختلس المال العام و تكتنزه للأبناء والحفدة ؟ ، هل ضبطت تشحن حقيبتها البرلمانية بالعملة الوطنية وتهرب بها إلى الخارج بواسطة جواز سفرها البرلماني ؟ ، هل ضبطت توزع أشرطة التحريض على القتل والعصيان الشعبي وتهديد النظام ؟ ، هل ضبطت لها صلة أو صلات بجماعات مصنفة على أنها إرهابية ؟ ، هل صرحت تحت قبة البرلمان بما ينافي الدستور ومبادئ الأمة ؟ هل تم رصد شرائها للأصوات خلال حملتها الانتخابية ؟ ….
من العار أن يكون الجواب على كل هذه الأسئلة بالنفي ، ومع ذلك يتم تعنيف وتعذيب السيدة بكل هذه الوضاعة والحقارة ، بسبب صورة لها ، في زمن الكل يتبجح فيه بالإشادة والاحتفال بالقانون المناهض للعنف ضد النساء .
ماذا جنت السيدة والأم والزوجة والبرلمانية والأستاذة والدكتورة ماء العينين حتى تنال كل هذا الكم من القساوة والرمي بالجهالة ؟ ، لو أن مذمتها جاءت من بعض الرعاع لهان الأمر ، فما ينتج الرعاع إلا الرذائل ، لكن أن يقود الحملة على السيدة ” كومندو ” من قوم يحسبون أنفسهم من دعاة حقوق الإنسان وحماتها إلى حد الغلو فيها ، فهنا يظهر أننا نحتاج فعلا لتعريف وتوضيح حقيقيين لمعنى “الرعاع ” ولمعنى “النفاق”، ولتكن السيدة قد أزالت منديلها من فوق رأسها وكشفت عن خصال شعرها حتى ، ولتكن قد رقصت في إحدى الشوارع في باريس أو حتى في الرباط أو الدارالبيضاء ، وليس فقط بمدخل مرقص بل حتى داخل المرقص ، ولتكن قد سبحت بلباس البحر في شاطئ مختلط الأجناس ، فهل برقصتها أو بسباحتها تلك خرجت من الملة وباتت مرتدة صعلوكة يتعين طردها من القبيلة ؟ ، فأين الضرر التي أحدثته رقصة آمنة ماء العينين وكذا سباحتها بغير “المايو الشرعي ” للشعب وللدولة وللقيم ؟ ، هل انهارت مؤشرات البورصة وانخفضت قيمة الدرهم وحل الجفاف بالبلاد لمجرد سلوك طبيعي لمخلوق يصيب ويخطئ ؟ ، ثم من تكون آمنة ماء العينين في هرم السلطة حتى تزلزل صور عادية لها الأرض بهذه الزلزلة الحقودة الحسودة ؟ ، إنها مجرد نائبة برلمانية “منها عداد” وقد خلت من قبلها النائبات.
وأما الذين رموها بحجر فأولئك قوم كانوا يقدمون أنفسهم للشعب أنهم حراس معبد الحريات ، وكانوا يطلبون الحريات للفرد في عقيدته وضميره وفكره وجسده ولباسه لا تعنيهم جنسيته ولا دينه ولا مذهبه ، فما بالهم اليوم في ملف آمنة ماء العينين “يخرجون العينين” ويفتون بحرمة فعل آمنة ويدعونها إلى “توبة مقنعة ” ؟ ، فحتى مع حرصها على ارتداء حجابها في المغرب ثم التخلص منه في الخارج ، فلا نراه سلوكا يحمل شيئا من الفظاعة ، ذاك اختيارها وتلك إرادتها ، لماذا تصرون على أن يكون كل خلق الله نسخا طبق الأصل منكم ؟ ، فلتحرمه هنا وتحلله هناك ، ولتعش ازدواجيتها تلك ، “آش حرق شطايطكم” ؟.
عندما نعود إلى السير الذاتية لهؤلاء المغيرين على آمنة ، وإلى ماضيهم وحاضرهم سنعرف معدنهم ونعرف سلالاتهم ، لنتأكد من أنه إذا عرف السبب بطل العجب ، هم قوم متعطشون لامتصاص دماء الغريم الإيديولوجي ، هم مثل تلك العقبان الصلعاء التي تقتات على الجيف ، هم مثل “مصاصي الدماء” في أفلامهم الخيالية ، يهيمون نحو المنافس للشرب من دمائه بلا شفقة ولا رحمة ولا إنسانية ولا شرف، هم يدبرون الخلاف بكثير من القذارة .
وأعود هاهنا إلى مفهوم النفاق الذي بات عملة رائجة في ترسانة غزاة ماء العينين ، فهو سلوك خفي لا يقاس بميزان ، وأمر كشفه موكول لله دون غيره ، لأنه مرتبط بما يبطنه المرء في دواخله ، والنفاق شأنه شأن الإيمان صنعة من صنائع الله واختصاصه ، وليس من حقوق الإنسان في شيء أن يتطاول العبد المغلوب على أمره على اقتحام دواخل غيره وقراءتها ، لذلك فالذين يصفون ماء العينين بالنفاق إنما يتجاوزونها ليقصفوا قلاع حزبها ، وحال لسانهم يقول “إياك أعني فاسمعي يا جارة ” ، لكن بكثير من الوسخ والنجاسة ، فإن كان النفاق هو الاعتقاد بالشيء ونقيضه ، فإنهم تناسوا أنهم دعاة الحرية لكل خلق الله دون ميز ، وأن أمة الله يسري عليها ما يسري على كل عباد الله ، إلا إذا كان مبدأ “باك صاحبي” اقتحم عالم حقوق الإنسان .
وشخصيا لا أعرف السيدة ماء العينين ، إلا من خلال تعاليقها ومساهماتها في إبداء آرائها التي تصيب فيها وتخطئ مثل كل خلق الله ، وأعرف أنها ساندت المتهم توفيق بوعشرين ، وذاك حقها ، ولو أني أخالفها الرأي في هذا ، وأنا مع الحكم القضائي الصادر في حقه ، بالنظر إلى ما ظهرت من أدلة تقنية ضده ، ثم من خلال دعمها الى المتهم الثاني السيد حامي الدين وأنا معها في هذا بمبرر قانوني على مستوى الشكل ، ومن سوء حظها أنه وفي كلا الموقفين كانت تقف هذه السيدة القوية ضد مصالح عشيرة تتخذ من الثأر والبغض عقيدة ، رهط اتخذوا من رشق الطائرات بالمقاليع منهجا .
وأعود للتأكيد والتذكير أني لست منتميا لحزب العدالة والتنمية ولا لغيره من الأحزاب ، وكل الأحزاب عندي على مسافة واحدة ، ورأيي فيها يخصني وأحتفظ به لنفسي ، وهذا قراري الشخصي وأعتقد أني حر في تبنيه ، حتى لا ينصب لي أحدهم مشنقة من مشانقه ، وأعود لأذكر بشرف و بفنون الصراع السياسي ، صراع البرامج والأفكار ، وليس الضرب تحت الأحزمة في غفلة من الحكام ، أو العرقلة المقصودة والخشنة من الخلف ، أو التفتيش عن أسباب ” الفرشة” والفضيحة في أمور شخصية كما يفعل “الزبالون” في صناديق القمامة .
تذكرني قصة آمنة ماء العينين بقصة اطلعت عليها في “الفقه المسيحي” بأناجيله الأربعة ، (متى ومرقس ويوحنا ولوقا ) ، طلبا للمعرفة طبعا ، مثلما بحثت عن المعرفة في الفقه اليهودي بتوراته بأسفارها الأربعة من (لاوين وتثنية وعدد وتكوين ) ، ومن أروع ما وجدت في إنجيل متى، مشهدا ساق فيه عدد من الناس سيدة قالوا إنهم ضبطوها تزني ، وساروا بها نحو عيسى بن مريم عليه السلام ، يستفتونه فيها ، ويرجونه الحكم برجمها ، والإذن لهم بذلك ، فكان أن رفع رأسه بهدوء ونظر إليهم وهم يتعطشون لرجمها وقال لهم : ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ” ، فصدم القوم وانسحبوا الواحد خلف الآخر ، وبقي المسيح عليه السلام وجها لوجه مع السيدة التي انتظرت حكمه فيها ، فقال لها بحسب ذات الإنجيل ” اذهبي ولا تخطئي بعد الآن ” .
وحسبي كذلك ما ورد في الأثر نسبة إلى نبي الرحمة صلوات الله عليه وسلم وهو يوصي خيرا بالنساء ” لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم ” .