أسود الأطلس و أشعب الطفيلي

كان يا ما كان في سالف العصر والزمان ، منتخب لكرة القدم ، تنتظره مباراة حاسمة خارج الديار ، وبالتحديد ضد منتخب الكوديفوار ، كان على المنتخب الضيف أن يتعادل وذلك أضعف الإيمان إن هو أراد ضمان مكان له ضمن نهائيات كأس العالم في روسيا الباردة الصيف المقبل ، استعدت الركبان ، وشد المنتخب الرحال ، وسافرت الجماهير بالآلاف لدعم منتخبها في عقر دار الفيلة الشجعان ، كانت العودة بتعادل من ساحل العاج يكاد يكون حلما ، أما الحديث عن قهر الإيفواريين في دراهم فذاك كان هو المستحيل إخوان ، ولأنه في يوم الامتحان يعز المرء أو يهان ، سافر المنتخب مدعوما بالشجعان .
كان اليوم سبتا ، والشهر نونبرا ، والجو صحوا ، واللقاء حارقا ، اصدم الأسود بالفيلة ، وتبين أن الفيلة قد غالبتها خراطيمها ، وما عادت تمتلك قوتها ، وصارت مثل ركام من اللحم الرمادي ، وأظهر الأسود شراسة جمعوا فيها بين السرعة والقوة ، فطاردوا الفيلة الهرمة ، ودكوا شباكها في مناسبتين .
ويروى أن الجماهير خرجت يومها في أعراس امتدت إلى فجر اليوم الموالي ، وقرر منتخب الأسود ألا يبات ليلته إلا في أحضان ووسط جماهيرها ، فاستقلوا الطائرة وهم مبللين بعرق المباراة ، عائدين بنصر طالما انتظره العشاق ، وبإنجاز غير مسبوق ، فليس من السهل أن يتأهل منتخب ضيف من عقر دار المنتخب المستضيف ، خاصة إذا كان المستضيف هو ساحل العاج بتاريخه ونجومه ، وفي طريق عودة ذلك المنتخب صادف أن التقاه أشعب الطفيلي ، وهو رجل أو قل شبه رجل ، يجمع بين السياسة والعبث ، وبين الصدق والنفاق ، وبين النضال والتملق ، رجل لا أحد يعرف كيف وصل إلى ساحل العاج ذهابا ، لكنه هرول في اتجاه الأسود يريد ان يركب معهم ذات الطائرة في ذات الرحلة ، لم يكن أشعب الطفيلي مدربا ولا لاعبا ولا طبيب الفريق ولا جامع الأمتعة ولا مساعدا ولا ربان طائرة ولا شيء ، لكنه استطاع أن يركب ذات الطائرة ، فقط لأنه يملك وجها يلبس فيه 50 ، وجبهة أقسح من الأسمنت المسلح ، لم يكتف صاحبنا بركوب طائرة المنتخب بل استولى على المقاعد الأولى ، وكأنه هو من سجل الهدفين ، ولم يكتف أشعب الطفيلي بحشر جثته بين عناصر المنتخب بل اصطحب معه رهطا من الفضوليين من طينته ، وركبوا الطائرة ولا من استطاع كشف حقيقة أشعب الطماع والطفيلي ومن معه ، ووصلت الطائرة الى المطار ، وحجت الجماهير لاستقبال الأبطال ، وانتظرت الأعين نزول أول بطل من أهل الإنجاز التاريخي ، فإذا بأشعب الطفيلي يظهر أولا من باب الطائرة ، فعبست الوجود وتكدرت ، وظنت أنها أخطأت المكان والطائرة ، وأن هذا الكائن الخرافي لا يمكن أن يقل ذات الطائرة مع أهل المجد ، فهو بينه وبين المجد بقدر ما بين السماء والأرض ، لكنه أطلق ابتسامته المخيفة وهو يتسلل سلم الطائرة ، وخلفه اللاعبون الذين صنعوا الإنجاز ، حاول أشعب أن يوهم الجماهير ومعها عدسات الكاميرا أن له نصيب مما فعله الرياضيون ، لكن مسعاه خاب ، فقد تبين الرشد من الغي ، واتضح ان صحابنا مجرد طفيلي جشع يرغب في التهام ما طاب ولد من شهرة مزيفة يرمم بها بكارته التي باعها في سوق المتلاشيات ، هبط أشعب هبوط الإذلال ، وانكشف طمعه ، وفي الغد انهالت عليه الانتقادات والصفير وشعارات الاستهجان ، بأنه مجرد تاجر سياسة بئيسة ، سافر سرا ، وترصد إنجاز المنتخب ليركب موجة الانتصار لعله يرمم شخصيته المكسورة .
هنيئا لمنتخبنا بتأهله ، وتبا لأشعب لشجعه .