مرة أخرى يضرب الإرهاب عاصمة الأنوار ، باريس من حزن إلى حزن ، ومن مشاهد الاشلاء الى مشاهد أشلاء أكثر فظاعة ، في باريس كما في لندن كما في مدريد ، في الدارالبيضاء كما في القاهرة ، في بغداد والبصرة وبيروت والرياض كما في نيويورك وواشنطن ، في دمشق كما في تونس ، الإرهابيون يترصدون الإنسان لأنه إنسان ، يقتلونه ويدمرون حضارته ، لا يهمهم دينه ولا جنسه ، يفجرون المسجد والمدرسة والكنيسة والدير والفندق والمسرح ومقر الجريدة ومقر القناة ، إنهم قوم همجيون ، يكرهون الحياة ، لكن من هم ؟ ومن أنتجهم ؟ ولماذا ؟ ومتى ؟ وبأي ثمن ؟ وبناء على أي اتفاق ؟.
لا تحتاج باريس منا إلى شموع إضافية ، ومسيرة في كبريات الشوارع لنصيح ملء الحناجر أننا ضد الإرهاب ، بل تحتاج قيم الإنسانية منا أن نطرح السؤال على كبار المسئولين بمخابراتهم وأجهزتهم الأمنية و ومختبراتهم ومعتقلاتهم وكواليسهم ، نقول لهم ، أنتم من اخترع ورم الإرهاب ، وأنتم من يتحمل وزر قتله وإبادته ، أنتم من حضن بيضة الإرهاب ووفر لها الدفء المناسب حتى فقصت كتاكيت بريش من جمر ومنقار من نار ، ومخالب من حديد ، تذكرون يا معشر المسئولين ، خاصة الأمريكيين والأوربيين وشرذمة من اهل العرب ، تذكرون من يكون أسامة بن لادن ، إنه رجلكم الذي دربتموه وأعددتم العدة له رفقة إخوته ، ووجهتموهم الى أفغانستان لمحاربة الروس ، وإلحاق هزيمة مذلة بالجيش السوفيتي ، وإظهاره بمظهر الجيش الذي قهره جماعة من الرعاة ، في حين كانت الصواريخ صواريخكم ، والتدريبات تدريباتكم ، والخطط خططكم ، بل وكان المنفذون ضباط من ثكناتكم ، صنعتم فيلق المجاهدين الأفغان ، لتهزموا الروس في حربكم الباردة ، وكان سند علماء البلاط الخليجي جاهزا ، ليحمس كل راغب في الالتحاق بسفينة نوح عفوا سفينة اسامة ، وخرج الروس من افغانستان ، وترك خلفه ترسانات من الأسلحة سائبة بين عدد من الجماعات ، سمحتم لأنفسكم وانتم المسؤولون الكبار، بالاستعانة بجماعة من قطاع الطرق ، اختلفتم مع الارهابيين الذين صنعتم تحت أعينكم ، وتركتموهم يصنعون فلكهم بإذنكم حتى عبروا المحيط والبحر للانتقام منكم ، وصاروا وحشا ضاريا ، هدم جدران المختبر حيث منحتموه الحياة ، وخرج باحثا عن مواصلة لعبة القتل ، تسترتم على كل تلك العلاقات الحميمية التي جمعتكم بذلك الوحش ، وحاولتم أن تتنكروا لاي سابق معرفة به ، لكن من حين لاخر كانت تظهر ادلة تفيذ انكم كنتم تجالسون الارهاب ، وكنتم تشاركونه الطعام والمال والشركات ، وكنتم راضون عنه وكان راضيا عنكم .
اليوم تناسلت شيعة بن لادن ، وتكاثرت وظهرت في افغانستان وباكستان وفي العراق وسوريا وفي الجزائر كما في تونس وفي مالي والصومال وفي كينيا وفي نيجيريا ، بمسميات عدة لكن بنفس المنهج ، منهج القتل والمساواة في القتل ، لافرق عندهم بين المسلم والمسحي واليهودي ومن لادين له ، بل حتى المآثر التاريخية لم تسلم من شرهم ، إن هؤلاء القتلة المجرمون ، هم ابناء اجهزة المخابرات ، هم من صلبها ، هي من خلقتهم وصنعتهم ، لاغراض غير بريئة ، فانقلب السحر على الساحر ، وباتت الشعوب تدفع ثمن مغامرة وطيش غير محسوبي العواقب ، فهل لنا أن نعرف كل الحقيقة من ارشيفات مؤسساتكم المخابراتية ؟ ، لكي نساعدكم في قهر وحش انتم من صنعه ، ونحن نطعم جشعه من أرواحنا ؟ ، قولوا لنا يرحمكم خالقكم ، وأوضحوا لنا مشهدا مريبا ، كيف تبيع داعش اطنان البترول من مصفاة تستولي عليها ؟ ولمن ؟ وكيف تتحوز حقائب المال ؟ وكيف تشتري داعش ترسانة اسلحة متطورة في عز الحصار الصوري المضروب عليها ؟ ،وكيف يسمح لداعش والقاعدة بوكو حرام وشباب المجاهدين وغيرهم بالاتصال بين اعضائهم ، والتنقل بين دول العالم ؟ قولوا لنا يرحمكم الله ، أنكم اخطأتم في تقدير قوة وحشكم ، وان قوته فاجأتكم ، وأنكم صحيح أنتم من صنعه لكنكم راغبون حقا في تدميره ، فنساعدكم بصبرنا ونحن نقدم المزيد من القرابين له ، أو قولوا لنا إن الارهاب هو خطة من خططكم ، تربكون بها حسابات خصومكم ، وترسمون بها خرائط العالم على مزاجكم واهوائكم ، وأن الوحش وحشكم ، وانكم تتحكمون فيه عن بعد ، فإن بدا لكم أنه يحتضر أنعشتموه ، وإن بدا لكم انه يقترب من كسر السلاسل طوقتموه ، وإن احتجتم الى خدماته شرحتم له الخطة وأعددتم له الدرس ، فيتكفل هو بالباقي ، تنفيذا ثم اعترافا بالمسؤولية ، ليظل شبحه مخيما في ارجاء الكون ، في استثمار مفضوح للخوف والرعب .
ايها الفرنسيون ايها الامريكيون ايها الغربيون ، نعول عليكم ليس في الخروج لاجل تشييع شهدائكم الابرياء ، بل للخروج في مطالبة رؤسائكم ومسؤوليكم بكل الحقيقة ، اسألوهم من صنع القاعدة ومن صنع داعش ومن صنع طالبان ومن صنع بوكو حرام و…؟ ، فإذا وجدتم ان حكامكم هم الخالق و المصور لوحش الارهاب ، فحاربوا الخالق والمخلوق معا ، فمن يخلق وحشا اليوم لا تعوزه الوسيلة في خلق وحش غدا .