تم مساء أمس الأربعاء بالدار البيضاء، تقديم مؤلف باللغة الفرنسية يحمل عنوان “المسلمون واليهود بالمغرب من الجذور إلى الآن” لمحمد كنبيب الذي يتطرق فيه إلى تطور علاقة اليهود والمسلمين بالمغرب على مر التاريخ.
ويستعيد هذا المؤلف، الذي قدمه أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة، تاريخا يمتد لعدة قرون للعلاقات التي جمعت اليهود والمسلمين بالمغرب الذين قدموا نموذجا فريدا للتعايش ، حيث عاشوا جنبا إلى جنب في انسجام وتآخي منذ آلاف السنين.
ويتطرق هذا الكتاب إلى تاريخ هذه العلاقات من الفتح الإسلامي (القرن السابع والثامن الميلادي إلى اليوم )، مع العلم أن اليهود يعدون من سكان المغرب الأولين حيث يعود تواجدهم إلى فترة ما قبل الإسلام منذ حوالي ألفي سنة.
كما يقدم هذا المؤلف قراءة تركيبية لتاريخ تطور العلاقات بين اليهود والمسلمين ، تأخذ بعين الاعتبار أبعاد هذا التطور من خلال البحث عن الأسس التي يقوم عليها وتمظهراته اليومية، وتطوراته عبر العصور ، خاصة مع التغيرات المهمة التي حدثت في القرن التاسع عشر مع الدخول الأوربي للمغرب وخلال فترة الحماية.
ويتوقف الكتاب الصادر عن دار النشر “تالونديي” ومشروع علاء الدين “تشييد جسور من المعرفة بين اليهود والمسلمين” عند سلسلة من التغيرات التي حدثت ما بين 1912 و 1956 وما بعدها، حيث تأثرت هذه العلاقات بالمؤثرات الخارجية ،خاصة الحرب العالمية الثانية ،والنزاع العربي الإسرائيلي بالشرق الأوسط الذي ابتدأ سنة 1948.
وأضاف المؤلف أن هذه التغييرات التي ظهرت ابتداء من سنة 1948 من خلال الهجرة المكثفة لليهود المغاربة خاصة نحو إسرائيل وإلى بلدان أخرى أدت إلى التراجع الكبير لعدد اليهود القاطنين بالمغرب، حيث انتقل من 250 ألف سنة 1948 إلى حوالي ثلاثة آلاف شخص حاليا حسب أرقام غير رسمية .
وأوضح محمد كنبيب، في كلمة له خلال تقديم الكتاب، أن غالبية اليهود المغاربة الذين مازالوا يقيمون بالمغرب يستقرون بمدينة الدار البيضاء، في حين كانوا يتواجدون في الماضي بكل مدن المغرب وحتى البوادي ،خاصة بمنطقة الأطلس المتوسط .
وأبرز الكاتب أن هناك جوانب أخرى يتعين أخذها بعين الاعتبار، وتتمثل في كون اليهود المغاربة الذي هاجروا إلى إسرائيل وفرنسا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا، حافظوا على روابطهم مع المغرب وظلت هويتهم المغربية حاضرة بقوة رغم ابتعادهم الجغرافي عن الوطن الأم.
وتابع أن اليهود المغاربة الذين هاجروا ظلوا مرتبطين بكل طقوس الحياة بالمملكة من قبيل الشاي بالنعناع والحناء والطبخ والموسيقى ، كما أنهم يحرصون على العودة إلى المغرب لزيارة أضرحتهم ، مشيرا إلى أن القانون المغربي لا يسقط الجنسية المغربية عن المغاربة الذين حصلوا على جنسية أخرى ، وهو الأمر الذي يجعل اليهود يحافظون باعتزاز على جنسيتهم المغربية.
وأكد المؤلف في هذا السياق، أنه في مغرب اليوم حيث يتواصل في عهد جلالة الملك محمد السادس تكريس المسلسل الديمقراطي ، صدر الدستور الجديد لسنة 2011 الذي يعتبر العنصر العبري رافدا من روافد الهوية المغربية.
يذكر أن محمد كنبيب الذي يدرس التاريخ بجامعة محمد الخامس، كان أستاذا زائرا بجامعة السوربون وبالمعهد العالي لدراسات العلوم الاجتماعية ببارس. كما قام بالتدريس بالولايات المتحدة الأمريكية وبجامعة أكسفورد.
كما شغل محمد كنبيب منصب مستشار ثقافي لسفارة المغرب بباريس في الفترة ما بين 1997 و 2001. ومن أهم مؤلفاته “اليهود والمسلمين بالمغرب” والمحميون” و شارك في تأليف كتاب “من الحماية إلى الاستقلال”.
وتجدر الإشارة إلى أن “مشروع علاء الدين” الذي كانت انطلاقته سنة 2009 برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، هو منظمة دولية غير حكومية ومستقلة تتخذ باريس مقرا لها. ويدعم هذا المشروع أزيد من ألف شخص بين مثقف ومفكر وأكاديمي وشخصية بارزة، من أكثر من خمسين دولة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
ويتألف المجلس المشرف على هذا المشروع من عشرين شخصية من بلدان وثقافات وديانات مختلفة ،جمعهم الإيمان بإمكانية تغلب قوة المعرفة والتربية وأولوية التاريخ والقيم الأخلاقية على التنافر النابع عن الجهل والأحكام المسبقة والكراهية.
ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق الانسجام على مستوى العلاقات بين الثقافات وخاصة بين اليهود والمسلمين، عبر السعي إلى المعرفة المتبادلة من خلال إنتاج وترجمة الكتب والأفلام والأفلام الوثائقية ومواقع الانترنت ووسائل إعلام أخرى بلغات الشعوب المعنية.