
من جديد يعود النقاش حول ما سُمّي باللائحة الوطنية للشباب، وكأن التجربة السابقة لم تكن كافية لتبيان حدودها ومخاطرها. هذه الآلية، التي رُوِّج لها كمدخل لإدماج الطاقات الشابة في المؤسسة التشريعية، تحوّلت في الواقع إلى بوابة للريع السياسي، وأدت إلى إضعاف قيمة التمثيلية البرلمانية بدل تعزيزها.
لا أحد يجادل في أن حضور الشباب داخل البرلمان ضرورة ملحّة لتجديد النخب وضخ دماء جديدة في شرايين السياسة المغربية. لكن هذا الحضور لا ينبغي أن يُبنى على مقاعد جاهزة تمنح بالمجان، بل على أساس الكفاءة والاستحقاق والتجربة الميدانية. فالشاب الذي لم يُختبر في دوائره المحلية، ولم ينخرط في دينامية حزبه وأنشطته، ولم يُقنع المواطنين ببرنامجه ومصداقيته، كيف يمكنه أن يكون ممثلاً حقيقياً للشعب؟
الحل ليس في إعادة إنتاج لوائح خاصة تُقصي المنطق التنافسي، بل في دفع الأحزاب السياسية إلى تحمل مسؤولياتها. يمكن، مثلاً، إقرار كوطا داخلية تُلزم الأحزاب بترشيح نسبة من الشباب في الدوائر المحلية، حيث يخوضون غمار المنافسة الانتخابية مثل غيرهم، أمام الناخبين مباشرة، وتحت نفس الشروط والمعايير.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تجارب دولية عديدة برهنت على نجاعة هذا التوجه. ففي فرنسا، تُلزَم الأحزاب بقوانين صارمة تخص المناصفة وتمثيلية الفئات الشابة والنساء عبر لوائحها المحلية، مما جعل أعمار عدد من النواب لا تتجاوز الثلاثين. وفي تونس بعد الثورة، أُقرت آلية إدماج الشباب عبر ترشيحهم في مواقع متقدمة داخل اللوائح الانتخابية، لكنهم تنافسوا مباشرة أمام الناخبين، ما منحهم شرعية قوية. أما في دول شمال أوروبا، مثل السويد والنرويج، فإن الأحزاب نفسها تضع تجديد النخب كأولوية استراتيجية، وتعتبر إدماج الشباب معياراً لقوة الحزب ومستقبله.
إن استعادة قيمة العمل السياسي في المغرب تقتضي إعادة الاعتبار للمؤسسات الحزبية وفروعها المحلية، بدل اختزال المشاركة السياسية للشباب في لائحة ظرفية. المطلوب اليوم هو شباب قادر على الإقناع، على المبادرة، وعلى التفاعل مع قضايا المواطنين. شباب يربح ثقة الناخبين لا بفضل مقعد مضمون مسبقاً، بل عبر عمل جاد ونضال يومي يثبت أنه أهل لتمثيل الشعب في قبة البرلمان.
أما غير ذلك، فهو مجرد إعادة إنتاج لمنطق الريع الذي يفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، ويحوّل التمثيلية إلى محاصصة شكلية لا تخدم سوى من يستفيدون من امتيازاتها.