أيها المواطنون من أجلكم غضب المحامون

▪︎محمد الشمسي
يعود المحامون في وقفة احتجاجية أخرى أمام قبة البرلمان رفضا للانتكاسة التشريعية التي يمثلها مشروع قانون المسطرة المدنية أو قانون وهبي إن صح التعبير، وآثرت في هذا المقال أن أخاطب عموم المواطنين الذين سترميهم الأقدار ذات يوم ليطرقوا باب القضاء متقاضين، فقانون المسطرة المدنية أيها السادة هو المنظم الضابط للدعاوى وشروطها، من يوم تقديمها بصندوق المحكمة إلى صدور حكم فيها وما يترتب على ذلك من إجراءات التبليغ والتنفيذ، والتعرض والاستئناف والنقض، هذا القانون هو المبين لجميع الخطوات التي يتوجب على كل متقاض الالتزام بها، آجالا وشكليات، إنه السراج المنير للتقاضي، ولأن النسخة السارية من هذا القانون بلغت من الكبر عتيا، وقد استجدت مستجدات استدعت تجديد هذا القانون وجعله يستدرك النقائص، فإنه إلى حدود هنا الأمر جيد ومطلوب.
لكن، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه مشروع قانون متقدم يعبد الطريق للمتقاضين لعدالة مستنيرة ناجعة فاعلة في وجه الجميع تؤسس لثقافة التقاضي، فوجئنا بمشروع قانون يصاغ على مزاج وزير العدل الذي لا يشهد له تاريخه كمحام ولا كسياسي بأي نضال أو خبرة في التشريع، فالرجل كان نكرة في عالم المحاماة والسياسة معا، وهكذا أخضع مشروع الوزير الملفات لميزان القيمة المالية على حساب القيمة القانونية، فتلك التي بحسبه التي لا تتجاوز قيمتها 50.000 درهم هي غير قابلة للطعن في أحكامها بالاستئناف، ونظيرتها التي تقل قيمتها على 100.000 درهم لا تقبل الطعن بالنقض، ليجعل الوزير المحاكم حكرا على القضايا الدسمة ماليا، ويحكم على الفقراء بعدم مراوحة المحاكم الابتدائية، ويحرم آخرين من طرق باب محكمة النقض، في ترسيخ من الوزير لليبرالية متوحشة والعنصرية والإقصائية المنافية لروح الدستور والمواثيق الدولية، كما جعل الوزير المحكمة تحكم على خاسر الدعوى بغرامة باعتبار خسارته للدعوى تشكل صورة من صور التقاضي بسوء نية الموجبة للعقاب، وهو ما يجعل المتقاضين يدخلون المحاكم مقامرين مغامرين إما كسب الدعوى أو دفع الغرامة، بما ينفرهم من المحاكم ويحدو بهم إلى التنازل عن حقوقهم، ورغم معاكسة كل هذا مع الدستور فإن نواب الأمة الذين عاهدوا الأمة في حملاتهم الانتخابية على حمل الأمانة، صادقوا على مشروع وهبي في جلسة فضيحة حضرها أقل من ثلثهم، صوتوا ما بين عدم الفهم وبين الإذعان لتعاليم الحزب، ويطول المقال هنا لبسط كل جوانب شوهة مشروع الوزير العنيد، الذي ما ترك مشروع قانون إلا ولوثه ولو بلسانه…
لهذا ومن أجله انتفض المحامون صونا للحق في التقاضي للجميع دون ميز بسبب الثروة المالية وفي ظروف آمنة، وعلى صراط قانون مسطرة مدنية جيد وعادل ويتناغم مع الدستور، خال من كل تطرف، لا يزن القضايا بمكيال قيمتها المالية بل بحجم العدالة فيها، لا يجعل الأغنياء يحتكرون درجات التقاضي ولا يحكم على الفقراء بأحكام ابتدائية ونهائية، في محاكمات عادلة يؤطرها قانون منصف هادف عادل. هذا سبب واحد من عشرات الأسباب التي ستجعل المحامين يشدون الرحال للمرابطة والاحتجاج يوم السبت 27 يوليوز أمام مقر البرلمان.