مجتمع

مناظرة وطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون

قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي في كلمة له في افتتاح المناظرة الوطنية المنظمة تحت عنوان ” حماية الأطفال في تماس مع القانون” الواقع والآفاق بقصر المؤتمرات بالصخيرات ، أن المناسبة وقفة تشكل بحق فرصة لتجديد التدارس والنقاش بين الفاعلين والمهتمين حول موضوع مازال متعطشا لتغييرات جوهرية ومجهودات إضافية تشريعا وممارسة وإلى تنسيق أمثل وأقوى رغم ما عرفته المنظومة الوطنية من إصلاحات مهمة وتراكمات جديدة وممارسات فضلى خلال السنوات الأخيرة.
واكد ان المناظرة تعبير متجدد عن الإرادة والعزم على تكثيف الجهود بين مختلف المتدخلين من أجل النهوض بقضايا هذه الشريحة من المجتمع، كما يعتبر بحق خير تجسيد لانخراط بلادنا إلى جانب المنتظم الدولي لتقصي أنجع السبل لتحقيق الحماية والرعاية للطفل في ظروف تحفظ كرامته وتراعي خصوصية تكوينه باعتباره النواة التي يحقق مجتمعنا من خلاله طموحاته وأهدافه في تنمية مستقبلية شاملة.
وأشار الى أن أدبيات السياسة الجنائية ، دأبت على تصنيف السياسة الجنائية في مجال جنوح الأحداث ضمن السياسات الجنائية المهيكلة التي تحتاج إلى معالجة شاملة ومستدامة تحتاج إلى تصور مهيكل على أمد زمني معين، وإلى مقاربة مندمجة شاملة لا تقف فقط على المقاربة الجنائية بل تتعداها إلى مقاربات سياسات عمومية أخرى، على خلاف السياسات الجنائية المؤقتة والعرضانية التي قد تخصص إلى جنوح معين حسب خطورة وطبيعة مرتكبيه.
ودعا الى استحضار عند وضع أية خطة عمل أو استراتيجية لمعالجة وضعية الأحداث في تماس مع القانون، فأي تصور أو معالجة منحصرة على مقاربة منفردة ستظل عقيمة الجدوى منعدمة الأثر مهما استحضرته من مصلحة فضلى للحدث، فمسار معالجة قضايا هذه الفئة يحتاج إلى مساهمة كل الفاعلين باختلاف انتماءاتهم الوظيفية من أجهزة إنفاذ القانون والساهرين على العمل الاجتماعي والتأهيلي والتربوي والتعليمي والثقافي وغيرهم من المتدخلين للوصول إلى تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون سواء كانوا في حالة نزاع مع القانون أو في وضعية صعبة أو ضحايا جرائم.
وانطلاقا من الدور الذي تقوم به وزارة العدل في رسم معالم وتوجهات السياسة الجنائية خاصة عبر الآلية التشريعية وما يرتبط بأدوارها في تدبير الإدارة القضائية، فقد أقدمت في السنوات القليلة الماضية على مجموعة من الإصلاحات التشريعية الموضوعية والمسطرية، وذلك من خلال وضع آليات قانونية ملائمة سواء عند مراجعة قانون المسطرة الجنائية أو عند تعديل مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بالطفل أو بعض النصوص القانونية ذات الصلة، وتكفل هذه الآليات حماية الطفل من أي انتهاك بمنظوره العام ماديا أو معنويا، سواء كان الطفل في وضعية مخالفة للقانون أو ضحية جريمة أو طفلا في وضعية صعبة، احتراما للمبادئ الأساسية المتعارف عليها دوليا لحماية الطفل على رأسها اتفاقية حقوق الطفل. خاصة ما يرتبط ب:
مراعاة مصلحته الفضلى أولا ودائما في كافة الإجراءات والتدابير المتعلقة به؛
تجريم كل الانتهاكات التي ترتكب في حقه؛
تشديد العقوبات عندما يكون مرتكب الانهاك في حق الطفل أحد أصوله أو من له رعاية أو سلطة عليه، مع وضع قواعد خاصة إضافية لتقادم الأفعال الإجرامية المرتكبة في حق الأطفال من طرف هؤلاء الأشخاص، وذلك بانطلاق أمد التقادم من جديد عند بلوغ الطفل الضحية سن الرشد؛
احترام حق الطفل في حماية خصوصياته لمنع أي ضرر قد يصيبه وذلك من خلال سرية الجلسات ومن خلال عدم جواز نشر أي معلومات يمكن أن تؤدي إلى التعرف على هويته عند التقاضي؛
اتخاذ تدابير استعجالية للتكفل بالطفل وحمايته إذا كان في وضعية تعرضه للخطر متى كان ضحية فعل جرمي أو كان في وضعية صعبة تجعله في خطر الوقوع في الانحراف، وذلك بإمكانية إصدار أوامر قضائية مؤقتة لإيداع الطفل لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة؛
إشراك الأسرة أولا والأوصياء والكفلاء وكل شخص جذير بالثقة بالإضافة إلى المؤسسات والمصالح العمومية والجمعيات والمؤسسات الخصوصية المهتمة بالطفولة أو المكلفة بالتربية والتكوين المهني أو المعدة للعلاج أو التربية الصحية، في عملية العناية بالطفل وحمايته وإدماجه باعتبارها مسؤولية الجميع؛
اعتماد نظام المساعدة الاجتماعية بالمحاكم، من خلال إدماج العديد من المساعدين والمساعدات الاجتماعيات بالمحاكم وتأهيلهم بشكل مستمر، مع اعتماد مساعدين يتكلمون الأمازيغية؛
اعتماد أجهزة متخصصة على مستوى أجهزة إنفاذ القانون والمحاكم وتخصيص مساطر خاصة تلائم وضعية الأطفال على مستويات متعددة؛
اعتماد خلايا التكفل بالأطفال على مستوى محاكم المملكة مجهزة وداخل فضاءات ملائمة؛
يمكننا القول بحسب وزير العادل ،من خلال استطلاع الترسانة التشريعية المغربية، بأن وضعية الطفل وحمايته الجنائية ما زالت تحتاج إلى جهود إصلاحية أخرى، وهو ما تأخذه وزارة العدل ضمن اهتماماتها الأساسية سواء على مستوى أوراشها التشريعية الكبرى كمشروع مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون العقوبات البديلة ومشروع إعداد مدونة الطفل، أو عبر أوراش أخرى كتطوير خدمة العمل الاجتماعي ونظام المساعدة القضائية وإحداث مركز للعلاج من الإدمان في إطار تنفيذ تدابير بديلة للعقوبات.
ولعل من أهم هذه المستجدات:
إعادة النظر ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية، في العديد من المساطر الخاصة بعدالة الأحداث، نحو تبسيطها بما يراعي خصوصية الأطفال خاصة ما يرتبط بإجراء الاستماع وإيجاد بدائل حقيقية للدعوى العمومية ونظام فعال لتحويل الجزاءات إلى تدابير تأهيلية وعلاجية على أكبر قدر ممكن؛
إيجاد آليات لتحويل المسار القضائي للأطفال في تماس مع القانون إلى مسار تأديبي وتأهيلي؛
رفع السن الموجب لتدبير الإيداع عند الضرورة أكثر مما هو معتمد حاليا ( 16 سنة في الجنح و 14 سنة في الجنايات)؛
التنصيص على تدبير التسليم للأسر البديلة؛
اختزال المسار القضائي في الحالات المعاقب عليها بالتوبيخ مراعاة لخصوصية الطفل؛
التنصيص على الاستفادة من العقوبات البديلة التي تتناسب ووضعية الأحداث كالعقوبات البديلة المرتبطة بالعلاج والتأهيل والتكوين؛
تعزيز صلاحيات ومهام المساعدين والمساعدات الاجتماعيات داخل المسار القضائي للأحداث أو أثناء تتبع تنفيذ التدابير؛
تقوية نظام المساعدة القضائية للأحداث وحضور المحامي إلى جانبهم خلال كافة مراحل المسار القضائي بما فيها مرحلة البحث والتحري؛
السعي إلى تجهيز فضاءات خاصة بعدالة الأحداث.
وفي السياق نفسه، تعمل هذه الوزارة على دعم التواصل الدائم مع الجمعيات المعنية بحماية الطفل عن طريق المشاركة في الاجتماعات والملتقيات التي تدعو إليها هذه الجمعيات كلقائنا هذا.
كما تعمل الوزارة بالموازاة مع الإجراءات والتدابير السالفة الذكر، على رصد الظواهر الإجرامية عموما والمرتكبة في حق الأطفال على وجه الخصوص وملاحظة التطور الحاصل فيها وتحليل الأسباب المؤدية لها واستخلاص النتائج لاستغلالها في السياسة الجنائية المتعلقة بالموضوع وهو ما سيعمل عليه المرصد الوطني للإجرام .
وتكرس وزارة العدل توجهاتها تلك، من خلال إحداث مكتب المساعدة الاجتماعية بكل محاكم المملكة كآليات حمائية لتقديم خدمات نوعية لهذه الفئة الخاصة من المجتمع والتي نأمل في تقديم المساعدة لأعضائها من قبلكم من أجل تعزيز حماية الطفل والحفاظ على حقوقه ودرء كل الانتهاكات التي قد تصيبه، كما تسعى الوزارة جاهدة إلى توفير مخاطب متخصص لاستقبال والاستماع ودعم وتوجيه ومرافقة الأطفال والمتمثل في السيدات والسادة المساعدين الاجتماعيين.
وخلص الى أن المبادرات التشريعية بقدر أهميتها تبقى عاجزة دون مواكبتها بتطبيق أمثل على مستوى الممارسة، وهو ما نحتاج إلى تكثيف الجهود لضمان تنزيل سليم، علما أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك بجهود أجهزة إنفاذ القانون لوحدها وإنما نحتاج إلى العمل الجماعي والتنسيق المحكم خاصة بين السياسة الجنائية وباقي السياسات العمومية للدولة.
ولعل الأرقام المسجلة فيما يرتبط بالمسار القضائي للأحداث سواء على مستوى القضايا المسجلة ( 24592 قضية خلال سنة 2022) وعدد المتابعين ( 29412 خلال سنة 2022) وعدد المعتقلين منهم احتياطيا ( 355 معتقلا احتياطيا عند نهاية شهر ماي 2023) والأطفال في وضعية صعبة ( 1076 سنة 2022). وغيرها من الأرقام تسائلنا جميعا لإعادة تقييم وضعية الأطفال في تماس مع القانون وبلورة خطة عمل وطنية يساهم فيها كل الشركاء والفاعلين لتحقيق الغايات المنشودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى