الملك يعلن ثورة جديدة مع الشعب ضد كورونا

•محمد الشمسي
في خطاب واقعي أعلن الملك ثورة جديدة مع الشعب ضد فيروس كورونا، وتميز الخطاب بفقرات قوية وواضحة، من قبيل ” صحيح أنه كان يضرب بنا المثل، في احترام التدابير الوقائية التي اتخذناها، وفي النتائج الحسنة التي حققناها، خلال فترة الحجر الصحي.
وهو ما جعلنا نعتز بما قمنا به، و خاصة من حيث انخفاض عدد الوفيات، و قلة نسبة المصابين، مقارنة بالعديد من الدول.” ليستدرك الملك بالقول “ولكن مع الأسف، لاحظنا مع رفع الحجر الصحي، أن عدد المصابين تضاعف بشكل غير منطقي، لأسباب عديدة”.
ولم يفت جلالته توضيح سبب الانتكاسة الوبائية التي يعيشها المغرب بالإشارة إلى موجباتها حين قال” فهناك من يدعي بأن هذا الوباء غير موجود؛ و هناك من يعتقد بأن رفع الحجر الصحي يعني انتهاء المرض؛ وهناك عدد من الناس يتعاملون مع الوضع، بنوع من التهاون والتراخي غير المقبول”.
وتوسع الملك في شرح صور التهاون والتراخي لدى العديد من المواطنين في تعاملهم مع الجائحة بالقول”والواقع أن نسبة كبيرة من الناس لا يحترمون التدابير الصحية الوقائية، التي اتخذتها السلطات العمومية كاستعمال الكمامات، و احترام التباعد الاجتماعي، واستعمال وسائل النظافة والتعقيم”. دون أن يفوته ذكر عامل آخر قد يكون سببا في تفشي الوباء حين قال “و يجب التنبيه أيضا، إلى أن بعض المرضى لا تظهر عليهم الأعراض، إلا بعد 10 أيام أو أكثر، إضافة إلى أن العديد من المصابين هم بدون أعراض. وهو ما يضاعف من خطر انتشار العدوى، و يتطلب الاحتياط أكثر”.
ولمعرفته المسبقة بثقة المواطنين في شخصه خاطب الملك معشر المشككين في وجود المرض، مذكرا إياهم بتداعيات الإصابة به بالقول”وهنا يجب التأكيد على أن هذا المرض موجود؛ و من يقول عكس ذلك، فهو لا يضر بنفسه فقط، و إنما يضر أيضا بعائلته وبالآخرين.”
وسحب الخطاب الملكي البساط من تحت أرجل المواطنين من أهل الأعذار والمبررات حين قال “فلو كانت وسائل الوقاية غير موجودة في الأسواق، أو غالية الثمن، قد يمكن تفهم هذه التصرفات. و لكن الدولة حرصت على توفير هذه المواد بكثرة، و بأثمان جد معقولة.
كما أن الدولة قامت بدعم ثمن الكمامات، و شجعت تصنيعها بالمغرب، لتكون في متناول الجميع”.
وبعد تشريح الواقع عاد الملك لبسط نتائج التمادي في اللامبالاة والاستهتار والتشكيك في وجود الفيروس في صيغة تحذير تمثلت بالقول”بل إن الأمر هنا، يتعلق بسلوك غير وطني و لاتضامني، لأن الوطنية تقتضي أولا، الحرص على صحة وسلامة الآخرين؛ ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس.
كما أن هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة، التي تمكنت و الحمد لله، من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها”، وزاد جلالته في تحذيره من العواقب بالقول”وبدون الالتزام الصارم و المسؤول بالتدابير الصحية، سيرتفع عدد المصابين و الوفيات، و ستصبح المستشفيات غير قادرة على تحمل هذا الوباء، مهما كانت جهود السلطات العمومية، وقطاع الصحة”، محذرا في الآن نفسه من احتمال اتخاذ قرارات مؤلمة ولكنها تبقى حتمية حين قال “و إذا استمرت هذه الأعداد في الارتفاع، فإن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد 19، قد توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده”، موضحا التأثيرات الجانبية لكل قرار بإعادة فرض حجر صحي حين قال “و إذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب، لاقدر الله، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
ولم يكتف جلالته بافتحاص الواقع ودق ناقوس الخطر بل استعرض الخطوط العريضة لثورة جديدة ضد الوباء شبيهة بثورة الملك والشعب منذ 67 سنة ضد الاستعمار، وذلك حين قال “وبموازاة مع الإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية، أدعو كل القوى الوطنية، للتعبئة و اليقظة، و الانخراط في المجهود الوطني، في مجال التوعية و التحسيس وتأطير المجتمع، للتصدي لهذا الوباء”، ولم يستثن الملك أحدا ولا جهة من وجوب الانخراط في الثورة ضد الجائحة بالقول” وهنا أود التنبيه إلى أنه بدون سلوك وطني مثالي و مسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، و لا رفع تحدي محاربة هذا الوباء”.
وتميزت خاتمة الخطاب الملكي بقدر كبير من الصراحة والمكاشفة، و التي لا بد من ربطها بمقدمة الخطاب لتكتمل تفاصيل الثورة حيث قال جلالته “إن خطابي لك اليوم، لا يعني المؤاخذة أو العتاب؛ و إنما هي طريقة مباشرة، للتعبير لك عن تخوفي، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، لا قدر الله..” لأنه كما قال جلالته في مستهل الخطاب “فتدهور الوضع الصحي، الذي وصلنا إليه اليوم مؤسف، و لا يبعث على التفاؤل. ومن يقول لك، شعبي العزيز، غير هذه الحقيقة، فهو كاذب”.