
▪︎التصويت الإلكتروني في المغرب: بين طموح الرقمنة ورهانات الثقة
•الحسين نصر الله نائب برلماني ( حزب الاستقلال)
في سياق المشاورات الجارية حول إصلاح المنظومة الانتخابية، يبرز التصويت الإلكتروني كخيار يستحق النقاش، ليس من أجل اعتماده الفوري، بل لاستشراف إمكانياته في المستقبل. فتح هذا النقاش اليوم، بمشاركة الفاعلين السياسيين والخبراء والمجتمع المدني، يتيح تقييم المزايا والمخاطر وبناء الثقة، حتى يكون القرار، في حينه، مؤسسًا على أرضية تقنية وقانونية صلبة.
ولا يمكن مقاربة هذا الموضوع بمعزل عن واقع البنية الرقمية في المغرب وما حققته من تقدم. فمعطيات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) برسم الربع الأول من سنة 2025، تشير إلى أن عدد مشتركي الإنترنت بلغ 39,9 مليون مشترك، بنسبة نفاذ تصل إلى 108,4%، مع تغطية واسعة لشبكات الجيل الرابع والفايبر. هذه القفزة الرقمية تهيئ، من حيث المبدأ، بيئة مناسبة لدمج التكنولوجيا في العملية الانتخابية، لكنها لا تُغني عن نقاش معمق حول الجاهزية التقنية ومستوى الثقة المجتمعية.
التحول الرقمي غيّر طريقة تفاعل المغاربة مع الإدارة، من الدفع الإلكتروني إلى تبسيط المساطر، وقد يمتد ليشمل طريقة التصويت. غير أن إدخال الاقتراع عبر الإنترنت يختلف جذريًا عن باقي الخدمات الرقمية، لأنه يمس جوهر العملية الديمقراطية، حيث تصبح قضايا الأمن السيبراني، وحماية المعطيات الشخصية، وضمان سرية الاقتراع، شروطًا لا تقبل التهاون. وتزداد حساسية هذه الشروط أمام مخاطر متنامية، من قبيل انتحال الهوية (usurpation d’identité)، والهجمات الإلكترونية، ومحاولات اختراق قواعد البيانات، وهي تهديدات لا تسمح بأي هامش للخطأ، لأن أي خرق قد يقوّض ثقة الناخبين في العملية برمتها.
التجارب الدولية في هذا المجال جاءت متباينة. إستونيا، منذ 2005، اعتمدت التصويت الإلكتروني بفضل منظومة هوية رقمية متطورة وبنية سيبرانية قوية، في حين أوقفت سويسرا بعض تجاربها بعد اكتشاف ثغرات أمنية. أما المغرب، ورغم تقدمه في رقمنة الخدمات، فما زال في مرحلة ترسيخ بنيته الرقمية، ما يجعل أي خطوة نحو التصويت الإلكتروني مرهونة بتسريع هذا المسار وتعزيز الثقة المجتمعية.
وتسعى استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” إلى رفع ترتيب البلاد في مؤشر الأمم المتحدة للخدمات الإلكترونية من المرتبة 100 إلى 50، وخلق 240 ألف منصب شغل، وإطلاق 3 آلاف شركة ناشئة، وتغطية 70% من التراب الوطني بشبكة الجيل الخامس (5G). ورغم أن التصويت الإلكتروني يندرج، من حيث المبدأ، ضمن رقمنة الخدمات العمومية، فإن هذه الاستراتيجية لم تشر إليه بشكل صريح، ما يعكس أن إدماجه لم يُطرح بعد على طاولة التنفيذ.
انتخابات 2021 أبرزت دور الرقمنة في تعزيز المشاركة السياسية، إذ ساعدت الحملات الرقمية على الوصول إلى الشباب، ورفعت نسب المشاركة مقارنة بالتوقعات. وهو نجاح جزئي يثبت أن التكنولوجيا قادرة على توسيع دائرة التواصل السياسي، وربما مستقبلاً، توسيع دائرة التصويت نفسها.
بعيدًا عن الجوانب التقنية، هناك أيضًا رهان جيوسياسي: نجاح المغرب في اعتماد تصويت إلكتروني آمن وشفاف قبل جيرانه سيمنحه موقع الريادة إقليميًا، ويعزز صورته كدولة منخرطة في الابتكار الديمقراطي. ففي منطقة ما زالت الرقمنة الانتخابية فيها محدودة، قد يتحول السبق المغربي إلى رسالة سياسية بقدر ما هو إصلاح انتخابي.
الانتقال من ورقة الاقتراع إلى الشاشة ليس مجرد تحديث للأداة، بل هو اختبار لمدى استعداد المجتمع لمنح ثقته لصندوق لا يُفتح إلا بكبسة زر. والسؤال المطروح: هل نحن مستعدون حقًا لوضع مستقبلنا الديمقراطي في صندوق إلكتروني تحرسه كلمات مرور وجدران نارية؟