قيم التضامن في المغرب ، خير علاج لمواجهة كورونا ” كوفيد 19 “

ذ. منير البصكري الفيلالي ـ أسفي

0

لا يخفى على أحد مدى أهمية قيم التضامن في المجتمع ، خاصة ونحن اليوم نواجه فيروسا خطيرا ، لكونه يعتبر جائحة تداهم دول العالم بأسره . ولعل الوضع الحالي يستدعي ـ لا محالة ـ تقوية قيم التضامن وإشعاعها بشكل فعال ومتين . ومواجهة جائحة كورونا ، لا يمكن التغلب عليها ، خاصة وأنه لا توجد حاليا أدلة علمية كافية على فعالية أي دواء في علاج هذا الفيروس على الرغم من التجارب التي تجريها اليوم مراكز الأبحاث عبر مختلف بقاع العالم .
وبناء عليه ، لا بد من البحث عن البديل لمحاصرة جائحة كورونا ” كوفيد 19 ” وهو التضامن بين كل فعاليات المجتمع ، لإنقاذ هذا الوطن من هذه الجائحة . ومن ثمة ، يتعين على أفراد المجتمع وضع اليد في اليد لتقديم الدعم والمعونة . فالله تعالى يقول : ” وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وانتم لا تظلمون . ” كما يقول سبحانه : ” وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئا . ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون . ” وإن من بشائر الخير وبوادر الأمل ، ما يرى من مشاعر جياشة وتعاطف مغربي كبير يعم أرجاء وطننا العزيز ، وما نتج عن ذلك من إعانات مادية متدفقة ، تترجم فضيلة التضامن التي جبل عليها المغاربة منذ أقدم العصور ، حيث أشربوا حب الخير والتعاون ورعاية المصالح العامة والإيثار والتناصر والتآزر ومواساة المحتاجين والفقراء والمعوزين .
من جهة أخرى ، يوضح الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قيمة التضامن في حديث نبوي شريف حين يقول : ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” وهو حديث يؤكد على أن كمال الإيمان ، لا يتأتى إلا إذا أحب المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه . ومن ثمة ، فالتضامن ثمرة من ثمار التقوى ، وهو عنوان الفضائل الإنسانية والمكارم الأخلاقية والكمال النفسي والسمو الروحي . فما أحوجنا اليوم إلى استلهام هذه المبادئ السامية والتعايم الربانية التي تحقق لنا الخير والرفعة ، خاصة ونحن نعيش وضعا مؤلما بسبب تفشي وانتشار جائحة كورونا ، وأنه لا عاصم لنا من هذا الفيروس ولا نجاة لنا منه إلا بالتضامن والأخذ بأسباب الألفة والإخاء والوقوف صفا واحدا ضد هذه الجائحة . فقد قال رسولنا الكريم : ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .” وقوله عليه الصلاة والسلام : ” المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضا . ”
ولعل أنبل الأهداف التي يمكن أن نستشفها من هذين الحديثين الشريفين ، ما كان فيها حفظ للدين والنفس والعرض والمال .. مما يحقق الأمن والإيمان .
فالإسلام إذن يدعونا إلى تقديم النفع بصرف النظر عن المنتفع . لذلك ، فهو حين يدعونا إلى التعاون والتضامن ، فليبين لنا أثر ذلك على الفرد والجماعة . فبالتضامن يتقوى بنيان الدولة ويعمر .
واليوم ، ونحن في زمن كورونا التي لم تصب المغرب وحده ، بل شلت الحياة في ربوع العالم ، مطالبون بتقوية روح التضامن والبحث عن آليات تفعيله من أجل التصدي لجائحة كورونا بعد أن اجتاز العالم عتبة المليوني إصابة بهذا الفيروس الخطير .
لذلك ، فإن تماسك المجتمع المغربي اليوم ، مطلوب أكثر من أي وقت مضى .. ولنا في ما قام به ملكنا الهمام أكبر الاعتزاز حين قرر جلالته ـ حفظه الله ـ توفير كل الإمكانيات المادية واللوجيستية لرعاية شعبه وحمايته من جائحة كورونا ، حتى يتجنب الوطن كل ويلاتها .. وفي طليعة ذلك ، إحداث صندوق خاص بتدبير هذه الجائحة بتعليمات سامية من جلالته . وهذا الصندوق سيساهم بشكل كبير في ضمان تدابير الوقاية ومكافحة الجائحة والحد من انعكاساتها السلبية وتداعياتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي . ومثل هذا الصنيع ، يترجمه حديث رسولنا العظيم وهو يحث على التضامن . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من نفس كربة من كرب المسلم في الدنيا ، نفس الله عز وجل عنه كربة من كرب الآخرة ، ومن ستر عورة مسلم ستر الله عورته في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ” ففي هذا الحديث حث وحض على التضامن كقيمة نبيلة تساعد على الخير وتلبية احتياجات الإنسان خاصة في الأزمنة الصعبة . فالعالم اليوم ، يعاني خطرا كبيرا يتهدد البشرية ، ويتمثل في تفشي جائحة كورونا ” كوفيد 19 ” .
وهناك وجه آخر من وجوه التضامن في مغربنا الحبيب ، ويتجلى في المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية والصحية والأمنية وعمال النظافة لمكافحة هذا الفيروس ، مجندين بروح المسؤولية التي أبان عنها المواطنون وتفاعلهم الإيجابي مع حالة الطوارئ الصحية ، إذ بدون هذا التضامن ، لا يمكن التغلب على فيروس كورونا .. لأنه ـ لحد اليوم ـ لا تتوفر أي لقاحات معتمدة لمواجهة آفة كورونا ” كوفيد 19 ” الذي أودى بالكثيرين حول العالم ، وأصاب الملايين من البشر . وفي ظل هذه الجائحة يعاني العالم اليوم الكثير من الاضطراب والارتباك ، وذلك على مستويات عدة ، ذلك أن هذه الجائحة أثبتت أنها فعلا تسبب أمراضا يلفها غموض كبير . ففي دراسة جديدة بإيطاليا ، كشفت أن حوالي 43 في المائة من المصابين بهذه الجائحة ، ليس لديهم أعراض ، أما من تظهر عليهم الأعراض فهم يشعرون بالمرض كالإصابة بالحمى والأوجاع والمعاناة من ضيق التنفس ، وارتفاع ضربات القلب ، مما يساهم في فقدان القدرة على الشم والتذوق . وبالتالي فإن هذا الفيروس قد أحدث فعلا تحولا مثيرا على نفسية الناس وتحولا أيضا في سلوكياتهم ومواقفهم .
لذلك ، حري بنا أن نضع اليد في اليد للتصدي لهذه الجائحة ، وذلك من خلال التشبث بقيم التضامن ، خاصة وأن المغرب اليوم استطاع أن يوظف كل إمكانياته لتوفير الغداء للجميع وتعويض الفاقدين لمصدر دخلهم ، وتقديم كل الدعم الصحي والأمني والنفسي والمادي أيضا .. وهو أمر يدعونا إلى المزيد من التلاحم والتماسك وراء ملكنا الهمام صاحب المبادرات الخيرة ، مما أكسب المغرب مناعة قوية من خلال تمسكه بقيم التضامن التي تربط كل المغاربة للتعجيل بالقضاء على الجائحة ومنع انتشارها . ومن ثمة ، فالتضامن خير علاج يمكن أن يقضي على هذا الفيروس في وقت عجز العلماء والباحثون عن إيجاد لقاح يسعف في التصدي لهذه الجائحة .. فهم لا يعرفون ـ لحد الساعة ـ الكثير عن هذا الفيروس وعن كيفية مكافحته وعلاجه . ونعتقد أننا في المغرب يمكن بفضل ما جبل عليه المغاربة من تضامن فيما بينهم ، أن نحد من جائحة كورونا إذا نحن فعلا التزمنا بالعزل والحجر الصحي ، وتمسكنا بتدابير التباعد الاجتماعي كسلاح قوي للحد من انتشار الجائحة ، لأن عدم التباعد قد يتسبب في انتشار الفيروس من قبل حامليه ، خاصة ممن لا
تظهر عليهم أعراضه ، لأن هذا الفيروس شديد العدوى . أيضا ، لا ينبغي أن ننسى عدم التوقف عن غسل اليدين جيدا وبشكل منتظم ، وذلك بالماء والصابون لفترة لا تقل عن عشرين ثانية ، لدرجة أنه يمكن أن يصبح عادة في إطار النظافة العامة . ويمكن أن يتكرر ذلك خاصة بعد ملامسة الأشخاص والأسطح المعدنية الصلبة والبلاستيك . أيضا ، لا ننسى مسألة المخالطة بين الناس وعدم زيارة الأشخاص ممن تعرضوا لخطر الفيروس . فالابتعاد عنهم ، قد يكون أفضل وسيلة للحفاظ على السلامة . وعلاوة على ما سبق ، يمكن أيضا أن نضيف عدم التخلص من الأقنعة الواقية والاستعداد لاستخدامها عند الضرورة . فحسب منظمة الصحة العالمية ، فقد ثبت انتقال كورونا عند وضع اليد على الفم أو الأنف أو العينين بعد ملامسة الأسطح الملوثة بالفيروس .. كذلك بعد العودة من التسوق ، لا بد من غسل الملابس والحذاء وأكياس التبضع ، أي تعقيم المشتريات خوفا من انتقال فيروس كورونا عبرها إلى داخل البيوت .
كل هذه الإجراءات يمكن أن تساهم بشكل جيد في عدم انتشار الجائحة .فلنبادر إذن للعمل التضامني وأداء الواجب الوطني .. وعلى عموم المغاربة أداء هذا الواجب والتطوع في أعمال البر والخير والانخراط في حملة التضامن .. فمن شأن ذلك كله أن يعجل بالقضاء على الجائحة ومنع انتشارها . وهذا سيكسب وطننا مناعة قوية ، إذ بفضل التضامن سنتجاوز جميعا الكثير من العقبات ، صيانة لثوابتنا الوطنية ومقدساتنا الدينية والوطنية ، وهي بعض عوامل استقرار بلدنا الحبيب وأمنه وتلاحمه تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله .
نسأل الله العلي العظيم أن يرفع عنا هذه الجائحة ، كما نسأله سبحانه النجاة من هذا الكرب ورفع البلاء . إنه تعالى سميع مجيب .

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.