شظايا من حمم كورونا: ما الجدوى من البذخ المالي في كرة القدم؟

•محمد الشمسي
إن الرياضة لئن كانت ضرورية في الحياة فهي لأجل تقوية الأبدان والأذهان، ولا يمكنها أن تتحول إلى فضاء للبذخ المالي، سواء كان المال عاما أو خاصا، لاسيما في دولة محدودة الإمكانيات المالية والاقتصادية، وتمارس فيها الأندية في شكل جمعيات تعيش على منح الدولة بلا غلة تذكر ، وعجبا لدولة يعيش فيها لاعب كرة القدم لا يتقن غير الجري، يعيش وضعية مالية أريح من أستاذ في التعليم، ومن طبيب و قاض وموظف وشرطي ورجل إطفاء وجندي وممرض و…وعليه فإنه وبسبب الغلو الملحوظ في رواتب بعض المدربين وعقود بعض اللاعبين، يطرح سؤال كبير حول ما يجنيه الوطن من وراء هذا التبذير المالي غير المبرر، ماذا يقدم هؤلاء من خدمة للوطن حتى ينعموا في كل هذه الخيرات المالية بلا رقابة؟، إنهم يقوون عضلاتهم ويمتنون أجسامهم ومع ذلك يحصلون على مال طائل بلا كثير جهد باستثناء جريهم السخيف، لن ينتج لقاحا، ولن يعلم أجيالا، ولن يصنع خبزا ولا حليبا، ولن يجلب غير شغب وعنف في ملاعب ونشر عصبية كروية في المدرجات وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وصلت إلى حد الاقتتال، ويزيح المجتمع على سكة المسيرة الحقيقية في الاستثمار في العلم والمعرفة والبحث، والاستثمار في الإنسان وفي الأجيال، فلا يمكن مثلا القبول براتب مدرب يصل إلى 50 مليون سنتيم شهريا و40 و 30 و 15 و 10 ملايين مع امتيازات أخرى كثيرة، ولا يمكن القبول بعقود لاعبين تكلف مائة مليون و50 و40 و30 مليون من السنتيمات، إنه التبذير المالي في ما لا يعود على الوطن بالنفع، فهل سننجر وراء بهرجة زائلة وهمية كاذبة خلقتها شركات تقتات من السخافة، وضجيج الحناجر في المدرجات ببلاهة وإدمان، حتى إذا قامت قيامة وباء بتنا نبكي مثل الأطفال، ونلوذ بالأطباء والممرضين، ونحن الذين كنا “نعبد” بعض اللاعبين.
وعليه فإن رواتب المدربين في القسم الأول يجب أن تكون موازية في أقصى تقدير لها لراتب أستاذ جامعي أو مدير مستشفى أو عميد كلية، أو مستشار في محكمة النقض، أو عميد شرطة ممتاز، أو ممرض رئيسي،أو…أو… فما يقدمه المدرب للشعب لن يكون أهم مما يقدمه هؤلاء، كفانا عبثا، أما اللاعبون فلن تتجاوز رواتبهم رواتب موظفين سلم 10 أو 11 ، و دون استفادتهم من أي قيمة لأي عقد، وإذا برهنوا على علو كعبهم ومهاراتهم فيمكنهم الاحتراف في أحد دوريات الدول الغنية التي تعتبر كرة القدم مصدر ثروة، أو تلك التي لم تستفق بعد من سباتها ولا تزال تعتبر كرة القدم المخدر المناسب لشعوبها.
وحتى إذا كانت الأموال المخصصة للاعبين من المال الخاص سواء من الممولين للفريق أو المستشهرين له، فإنه يجب إخضاع تلك الأداءات والمعاملات لاقتطاعات ضريبية عالية، مادامت تعبر عن سخاء مالي مكشوف، لتصل الاقتطاع الضريبي فيها إلى ربع مبلغ الصفقة أو قيمة العقد.
لسنا ضد الرياضة لكننا ضد الغلو في الرياضة، وضد صبغ نبلها بالجشع والطمع، وضد تحويل سموها لتصبح منوما مغناطيسيا، فنعم للرياضة الهادئة والنافعة غير المكلفة، ولا لرياضة الجاهلية التي تنهب الثروات ، وتشعل لهيب النعرات، تلك هي شظية من شظايا حريق كورونا وحممه التي تطايرت، كورونا الذي أيقظنا من الأوهام، وأعاد ل”الصح” قيمته وشأنه، ماذا استفدنا من تجهيز الملاعب؟، أما كان بالأحرى تجهيز المستشفيات أولا؟، وماذا قدم لنا المدربون واللاعبون؟، أما كان الأولى بهذه العناية أن يلقاها الأطباء والممرضون؟، تبّا لمجتمع يُهين من يخدمه، ويُعلي شأن من يلهو ويركض خلف كرة منفوخة بالبرد.