الرأي

إضاءة: كورونا وتغييرها للأحداث التاريخية

تمثل جائحة كورونا المستجد بداية تاريخ كارثي بكل الأبعاد والدلالات. اليوم وفي ظل الأزمة،يهتم كثير من المفكرين الباحثين ورجال السياسة والاقتصاد بجائحة كورونا المستجد ويتوقع كثير منهم ظهور صور مختلفة ومغايرة لما بعد كورونا عما قبلها.
ان العالم اليوم لن يعود كما كان يتوقع البعض تبدلا في امريكا وتغييرا في موازين القوى وفي الاوضاع والمنظومات الدولية القائمة والأحلاف العسكرية وحتى القيم.وقد تنشأ جبهة دولية لمواجهة خطر جائحة كورونا المستجد كما حصل في الحرب العالمية الاولى والثانية في مواجهة الانظمة الكليانية:النازية بقيادة أدولف هتلر بألمانيا والفاشية بقيادة موسوليني بايطاليا.
ان انتشار وباء كورونا المستجد أكد فداحة الاهتمام والتركيز على الصناعة الحربية والسباق نحو التسلح على حساب الصحة والتعليم والبحوث العلمية . فالعجز الواضح عن توفير أجهزةالتنفس الاصطناعي او الكمامات الواقية او الأسرة في المستشفيات في أمريكا واوربا يكشف سوء الحضارة الانسانية في أرقى بلدانها.
ان الحرب على كورونا المستجد اهم مما لا يقاس من حرب الانسان ضد أخيه الانسان والانفاق الفاحش على صناعة وتجارة السلاح أجدى منه الف مرة الانفاق على التعليم والصحة. ولا يمكن مقاومة كورونا بالسلاح كما لا يمكن قهر وقمع الاحتجاجات السلمية بالعنف والقوة..لا تجدي القنابل والصواريخ العابرة للقارات ولا الكيماوي ولا الاسلحة النووية في مواجهة فيروس كوفيد19 والفيروسات الدقيقة.وما صرف على أبحاث وتصنيع هذا السلاح،لو صرف في مجال الصحة لجنب البشرية حالة الفزع والموت الذي نعيشه.
لقد شهد العالم في ستوات مضت أكثرمن مأساة ولكتها لم تكن بالحجم ولا بالأثر الذي شهده العالم في هذه التجربة الفريدة. واللافت للنظر هو أن عدد الإصابات التي سجلت في العالم المتقدم نجده في امريكا واوربا أكثر بكثيرمن الاصابات التي سجلت في العالم الثالت او المتخلف.
كما مثلت أزنة كورونا اختبارا صارما لكفاءة نظام الحكم الليبرالية والسلطوية والشمولية والنظم الديمقراطية والدكتاتورية على السواء في الاستجابة لمحنة اجتماعية شديدة الوطأة واختبارا لقدرات المنظمات الدولية مثل متظمة الصحة العالمية والامم المتحدة بل واختبارا للقيم السياسية التي تتبناها.لقد أظهرت كفاءة في اختواء الفيروس مقابل ارتباك الديموقراطيات.
ان فيروس كوفيد 19 سيكون له تأثير على السياسة الدولية.ويمكن ان نميز بين رؤيتين: رؤية ارى بأن الدرس المستفاد من ازمة كورونا هي ان الدول يجب عليها أن تتعاون وتتكاثف وتوحد صفوفها من اجل تجاوز الازمة على نخو افضل ، ورؤية أخرى ترى ان على كل دولة ان تنأى بنفسها عن بقيةالدول وتحمي شعبها من المخاطر الوافدة من الخارج بحيث اصبحت العزلة في مقابل العولمة قضية كبرى تنتظر الحسم.
لقد شكلت السياسات النيوليبرالية مثل التجارة الحرة والخوصصة أحد العناصر الاساسية للعولمة التي كان مطلوبا من البلدان النامية تطبيقها سريعا بصرف النظر عن ظروفها الثقافية.و افتتحت الاسواق واصبحت سلاسل التوريد عالميو.
من المعلوم ان ظاهرة العولمة جعلت العالم بمثابة قرية صغيرة ومكنت دول العالم المتقدم ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية واوربا الغربية من نشر مبادئ الديمقراطية وقيم الحرية واحترام حقوق الانسان لكن لم يتصور احد ان يمثل ظهور فيروس كوفيد19 في الصين وانتشاره عبر القارات وتحوله الى وباء عالمي ثم الى جائحة تحديا بارزا للعولمة. فالدول الغربية التي دعمت العولمة والاتفتاح علىالخارج،تحولت في مواجهة تداعيات انتشار الفيروس الى الانعزال واتخاد خطوات حمائية في مقابل الصين بأخذ زمام المبادرة والانفتاح لتقديم المساعدات الدولية باعتبارها نموذجا ناجحا في مواجهة ازمة تختلف عن تلك التي انطلقت من بورصة وول ستريت في 24 اكتوبر 1929(الخميس الاسود) تعجز امريكا والدول الأوروبية عن التعاطي معها.
لقدفتك فيروس كوفيد 19 بوهم شعار العولمة وهو جعل العالمقرية صغيرة. فقد اعاد الوباء عالمنا الكبير الى حقيقته وهو مجموعة من العوالم القائمة بذاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى