يا شعب”المليون شهيد” …بزااف عليكم تكونوا ملكيين…

0

محمد الشمسي

ينظم الأشقاء الجزائريون هذه الأيام مسيرات ووقفات واحتجاجات ضد قرار ترشيح ” المرحوم على قيد الحياة” السيد بوتفليقة ، ولكم تضامنت مع الحشود الجزائرية وهي تتحرك في أمواج وأنهار وبحار بشرية ، تصيح ملء الحناجر “ألا هوادة مع العهدة الخامسة” .
لكن الأشقاء الجزائريين يرفعون بعض الشعارات ـ وطبعا ذاك حقهم ـ يُذكِّرون فيها عسكرهم وجنرالاته أنههم “ليسوا ملكية ” وأنهم دولة “جمهورية” ، وأود هاهنا أن أفتح نقاشا هادئا وحضاريا مع النبهاء والحكماء من هؤلاء المحتجين ، بوجوب تصحيح الشعار قبل الاحتجاج ، لأن النظام الملكي ليس لعنة ولا سبة ، وأنهم ربما تحتفظ ذاكرتهم بالملكية الفرنسية المطلقة من أول إلى آخر لويس فرنسي في أوربا القرون البائدة ، وأنا أغتنم الفرصة لأهمس في آذان إخوتي الجزائريين وأقول لهم ” لاباس عليكم كون كنتو ملكيين” ، لأن النظام الملكي هو نوع من أنواع الأنظمة السياسية التي أنتجتها البشرية ، ثم لأن الملكية ليست شرا مستطيرا ، فالملكية بدورها أنواع ، فهناك الملكية الشمولية التي تخاف من الدستور والقانون ، وهي ملكيات تحيي وتميت وتحصي الهمسات وتكره الحريات ، ولعل الأشقاء الجزائريين يعرفون أين تنبت جذور هذه الملكيات ، وهناك الملكية الدستورية التي تحدد مهامها واختصاصاتها دساتير واتفاقيات دولية ، وهناك ملكيات شكلية تسود ولا تحكم ، وما يعنينا هاهنا هو الملكية المغربية والتي يعود امتدادها في العمق المغربي والافريقي إلى قرابة ألف وخمسمائة سنة ، هي ملكية تطور نفسها باستمرار ، ويكفي أحدكم أيها الإخوة الأعزاء أن يضغط على زر البحث “غوغل”، ويبحث في فصول ومواد الدستور المغربي لسنة 2011 ليعرف الحقيقة ، سيجده دستورا متقدما جدا في بعده الدستوري وترسيخ أركان وقيم دولة الحق والقانون ، وقد تنازل فيه الملك على عدد كبير من اختصاصاته لفائدة رئيس الحكومة ، وتم فيه التنصيص على أن رئيس الحكومة يعين من الحزب المحتل للصف الأول في الانتخابات التشريعية ، وتم فيه حذف بند ينص على ان “الملك مقدس” ، وهو البند الذي تم وضعه في ظروف تاريخية لعل المتتبعين منكم لمراحل التاريخ يعيها ، ولعل في حذف هذا الفصل تعبير قوي على أن الملكية المغربية مصممة على الرقي بدورها في إطار الدستور والقانون ، دون الحديث عن فصل دستوري للسلط فصلا حقيقيا، وطبعا نحن كملكيين لازلنا لم نصل إلى ما نصبو إليه ، فنحن نسير بخطى وإن كانت بطيئة فهي ثابتة .
لذلك أيها الإخوة فإن رفضكم أن يحكمكم رجل هو بنسبة كبيرة ميت ، هو حقكم المقدس الذي يصونه لكم الدين والتاريخ والضمير ، لكن صدقوني أن هذا الذي تحتجون على “عهدته الخامسة ” ، سبق وأن ساسكم في ظروف غامضة بدل المرة أربعة ،وبدل السنة عشرين سنة ، ولم تخرجوا سنواتها تبحثون لكم عن “الجمهورية المفقودة”، وتخشون الملكية التي أنتم لها حاسدون ، وأود هنا أن أفتح قوسا وأسألكم سؤالا أخويا : هل تعرفون دولة عربية “جمهورية” انتهت فيها ولاية “رئيسها” فانسحب وفسح المجال لرئيس جديد ؟ ، أرجو أن يشير علي أحدكم باسم هذه الدولة العربية ، فالحاصل أن الأنظمة العربية “الجمهورية” ، – ونظام “جمهوريتكم” واحد منها – هي أنظمة ماسخة باهتة لقيطة ، لا صلة لها بالعلوم السياسية ولا بلغة الدساتير ، “الرئيس” فيها يحول نفسه ليس إلى ملك فللملكية شروطها ، بل يحول نفسه إلى “فرعون” ، يقول للشعب الذي سلب منه الإرادة ” أنا ربكم الأعلى” ، فأنتم شعب عظيم وتستحقون رئيسا يجمع بين العظمة والحكمة ، والجزائرية التي أنجبت الأمير عبد القادر الجزائري ، قادرة على إنجاب رجال أشداء عظماء ، يسوسون البلاد خير سياسة ، أثكلت الجزائريات حتى يحكم الجزائر ” جثة تتنفس من فوق كرسي متحرك” ؟ ، أقول لكم هذا لأن قوتكم من قوتنا ، ولأن ازدهاركم من ازدهارنا ، ولأن الجار والأخ القوي يكون مدعاة للتقليد والمحاكاة ، أما الجار المريض فيسألنا الدعاء والعيادة .
واسمحوا لي أن أضع مقارنة بسيطة بين نظامنا الملكي الذي لا يروقكم ، وبين نظامكم “الجمهوري” الذي أنتم به منخدعون ، ولنقس الفارق بيننا على مستوى حرية الشعب في الاحتجاج على سبيل المثال لا الحصر، فعندما خرج المحتجون من الشعب المغربي في سنة 2011 يرفعون شعارات التغيير ، سارع الملك إلى الاستجابة و عرض نسخ الدستور القديم وتشكيل لجنة لوضع مشروع دستور جاء راقيا وحضاريا ، ولم يتم إخراج الجيش من الثكنات ولا البوليس من الكوميساريات لضرب وركل وتفريق الحشود ، ولم ينعت مسؤول المحتجين بنعوت تمسهم في وطنيتهم ويصفهم بالمتآمرين على أمن الوطن ، أما عندكم وأنتم “الجمهورية” فقد تكلف عسكري بالرد على مسيراتكم السلمية ،علما أن الرجل عسكري وحري به أن يهتم بحراسة الحدود لا بحراسة العقول ، ومن هنا تدركون أن الجنرالات تريد أن تصنع من “الميت الحي” بوتفليقة فزاعة تضعها في الواجهة ، لتتخذ من وراء كرسيه من القرارات ما يخدم مصالحها في “الجمهورية” ، وتنسبها إلى رئيس لا فرق بينه وبين الأموات سوى في اهتزاز الأنفاس ، وأنتم حينما ترفضون بوتفليقة ، فأنتم ترفضون حكم العسكر ، الذي يجثم على مستقبلكم ومستقبل أولادكم ، فكيف تعيشون شظف العيش في “جمهوريتكم” وعندكم من الغاز الطبيعي ما تتبوءون به الصدارة عالميا ؟ ، أين ذهبت ثروتكم يا “جمهوريون” ؟ ، ألم ينهبها رؤساء “الجمهورية “؟.
أصدقكم القول أني ومن حبي لكم تمنيت لكم واقعا مثل واقعنا ، وهو واقع للإشارة ورغم سموه على واقعكم ، فنحن نسعى إلى تحسينه وتجويده ، فنحن في مغربنا ومن طنجة إلى الكويرة ـ وآمل ألا يفقد عسكريكم أعصابه ـ لا تنقطع عنا الكهرباء رغم أننا لا ننتج بترولا ولا غازا طبيعيا ، هذا دون الحديث عن وفرة وجودة المياه التي تسيل وديانا في البحر ، ونحن البلد الذي يباع فيه “حب الملوك” ” والتوت” والموز والتفاح والبرتقال وباقي الفواكه التي قد تطلعون على أسمائها وصورها في الموسوعات ، تباع في الشارع العام وبشبه “بلاش” وعلى طول السنة ، وأما عن الخضر فمن وفرتها فهناك منا من يقدمها علفا للبهائم ، هذا على مستوى ما ارتبط بالبطن والتغذية ، أما ما ارتبط بالفكر والحرية والثقافة ، فيمكن أن أقول لكم أننا نبدع كما نشاء ، ونقول ما نريد ، وننشئ من الحسابات على الانترنت ما نقوى عليه ، ونحتج كل يوم أحد ، طبعا في إطار المسؤولية ، ولا نقبل أن يحل ضيفا علينا ولا فينا من تلطخت يداه بالقتل والتقطيع طمعا في فتات الموائد .
لذلك أيها الإخوة الأعزاء سيروا في احتجاجكم ضد أن يحكمكم هيكل بلا روح ، وضد أن يحكمكم “انقلابي” ، واحلموا كما تشاءون ب”جمهورية موزكم” ، التي يذبح فيها السيد “الرئيس الدائم” مصائر أجيالكم ما كتب الله من العمر في الحياة ، ويغير الدستور كما يغير أزرار قميصه ، لكن لا تنبذوا النظام الملكي ، على الأقل على الشاكلة المغربية ، فآه لو كان لكم ملك مثل ملكنا ، فعلى الأقل لا ينام الواحد منكم وهو جائعا .

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.