سعوديون يتحرشون بصحرائنا….

0

محمد الشمسي

حتى الإعلام الجزائري المعادي للمغرب لم يجرؤ على بث ما بثته “قناة العربية” ضد الوحدة الترابية المغربية ، القناة لم تكن غايتها إخبارية محضة ، كما لم تكن مهنية وموضوعية ، وهي لم تستشهد التاريخ ولا الجغرافية ولا الواقع ، بل كانت نسمات الانتقام والثأر والسموم تتقاطر من بين ثنايا مشاهد ولقطات الربورطاج ، كان الربورطاج مثل فحيح الأفعى الرقطاء ، لكن عموما لم تأت “العربية” بجديد حول ما يتبجح به أعداء المغرب وحساده ، على أن السؤال الذي يفرض نفسه هو ، لماذا تبين لفئة في النظام السعودي سنة 2019 أن الصحراء ليست جزءا من المغرب ؟ وأين المواقف التاريخية والمسترسلة والدائمة التي مافتئ النظام السعودي يرددها بأن المغرب للصحراء والصحراء للمغرب ولا يفرق بينهما إلا حاقد ؟ .

يمكن القول أنه لا تصويت السعودية ضد الملف المغربي لاحتضان كأس العالم وتجييش الاتحادات ضد بلد شقيق ، ولا حياد المغرب من حصار قطر ، ولا استجواب وزير خارجيتها مع قناة الجزيرة ، ولا انسحاب المغرب من الحرب على اليمن هي أسباب الخلاف ، بل كل ما سبق بسطه هي أعراض لتعارضات وسوء تفاهمات وخلافات انطلقت بعد سنة 2011 ، وبعضها قبل سنة 2011 ، فالنظام السعودي الذي له حساسية مفرطة وزائدة من “رياح الربيع العربي ” ومن فصائل “الإسلام السياسي” ، وهو ينزل بكل “أرْزِه” لدعم الأنظمة الانقلابية والمستبدة لقهر الشعوب ، يرى أن الربيع العربي حقق غايته في المغرب بسلاسة وانبساط وانسياب ، فأمام مسيرات الشعب المغربي خلال فبراري 2011 ، لم يتم إخراج الجيش من الثكنات لتطويق الثورة المغربية ، بل جاء خطاب الملك متقدما ومكملا لتلك الثورة ، حين أعلن عن نسخ الدستور الموروث بعيوبه وانغلاقه ، وفتح المجال لوضع دستور جديد يحمل أنفاسا ديمقراطية جديدة ، وصدر دستور 2011 الذي تميز بتنازل الملك على عدد كبير من صلاحياته لفائدة رئيس الحكومة من جهة ، وبوصول الحزب المحتل للصدارة في الانتخابات الشفافة الى رئاسة الحكومة من جهة ثانية ، ولم يكن ذلك الحزب سوى ” البعبع” الذي يخافه النظام السعودي ، حزب ذو نفحة “إخوانية” ، ينافس السعودية الوهابية على “أصلها التجاري” واحتكارها للحقل الديني ، والإبقاء على علماء السعودية “أهل حل وعقد ” ، وصناع فتاوى لكل الأمة ، لم تكن الثورة المغربية التي أعلنها الشعب وختمها الملك بخطابه لترضى عنها السعودية ، كانت السعودية تعتبر المغرب في طريقه للخروج من تحت عباءتها ، وهي التي حركت جيشها لقمع الثورة البحرينية بحجة أنها مدعومة من إيران ، وهي التي آوت رؤساء جردتهم شعوبهم من الشرعية ، وهي التي سخرت كل إمكانياتها لقيادة ثورتها المضادة . وأعتقد أن زجاج العلاقة بين المغرب والسعودية تعرض لخدوش في هذه المرحلة بالذات ، ينضاف الى ذلك أن الملك الجديد للمغرب ليس هو والده الراحل الحسن الثاني الذي كان شغوفا بالاهتمام بالعلاقات الدولية ، في زمن الانقلابات والدسائس السياسية ، فالملك محمد السادس لم يعط لاجتماعات جامعة الدول العربية أهمية أو قيمة ، وهجرها ولم يشارك فيها ، وهو يراها جامعة تفرق أكثر مما تجمع ، ويرى المشاركة فيها مضيعة للوقت ومسخرة أمام التاريخ ، حتى أن المغرب اعتذر عن استضافة قمة من قمم تلك الجامعة التي باتت هيكلا أجوفا ، والمغرب بهذه القرارات الشجاعة وغير المسبوقة كان يصفع السعودية بحسب اعتقادها ، وهي التي تعامل باقي الدول العربية بغطرسة وجبروت وكبرياء ، وبلغة الأوامر البعيدة عن لغة الدبلوماسية ، لذلك لا غرابة في أن تتراجع الهبات المالية التي كانت المملكة العربية السعودية تمنحها للمغرب في السابق ، بل ولا غرابة في أن تضغط السعودية على باقي الدول الخليجية في تجفيف تلك الهبات المالية ، كل ذلك لحث المغرب للرجوع الى “بيت الطاعة” ، لكن المغرب كان ماضيا في طريق اختارها لنفسه ، أن تكون قراراته محكومة بشروط الحكمة والاستقلال وبعد النظر والطابع الاستراتيجي ، وهي شروط لا يعلم عنها النظام السعودي شيئا ، فهو نظام اعتاد أنه إذا أراد للشيء أن يكون قال كن فيكون ، وهو موروث قبلي عاشت به بطون قريش لحقبة من الزمن ، وطبعا ” العرق دساس” ، صحيح أن السعودية هي الدولة رقم واحد في ملء براميل النفط في العالم والمتحكمة في سعره ، لكن قد ينضب البترول وتبقى البراميل الخاوية ذات زمن .

ثم يبرز خلاف آخر ناجم على الطريقة التي تمت فيها بيعة ولي العهد الجديد ، وعزل ولي العهد القديم والشرعي ، في بلد يشتغل بلا دستور ، وفي بلد دستوره هي أسرة “آل سعود” المتحكمة في مفاصل بلد بأكمله ، تنصب الأبناء والأعمام وأبناء الأخ وأبناء العم في كل أجهزة الدولة لضمان الولاء وللإبقاء على الوضع تحت السيطرة ، وبوصول ولي عهد صغير السن والتجربة ، مدعوم أمريكيا وإسرائيليا ، مهمته هي ترويض المملكة الموغلة في التطرف ، المملكة التي أنتجت جل كتب التشدد وخرّجت جامعاتها جل المتشددين في العالم ، المملكة التي تضع للأخلاق شرطة ، وللدين شرطة ، وللصلاة شرطة ، المملكة التي يعتبر فيها عرض الملابس الداخلية للنساء في الشارع العام جريمة ، وعدم أداء الصلاة بعد الأذان جريمة ، وسفر المرأة بمفردها جريمة ، وسياقة المرأة للسيارة جريمة ، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية حرام ، عموما المملكة التي تدار بالحلال والحرام ، وليس بالقانون والدستور .

ومع وصول الملك الحالي إلى سن متقدمة تحول دون تتبعه لشؤون البلاد استفرد ولي العهد مرفوقا بثلة من المستشارين الأمريكيين والإسرائيليين بالحكم ، وبات يمارس سياسة العبث والطيش ، فأمر بقتل صحافي وتقطيعه والتخلص من جثته ، لا لشيء إلا لأنه كتب مقالا أو مقالين في جريدة عن النظام السعودي ، ثم أمر باعتقال جل الأمراء الأثرياء في فندق من خمس نجوم ، وعرض عليهم الحرية مقابل المال في أقبح عملية ابتزاز ، ثم استورد وسائل التجسس والتصنت على وسائل التواصل الاجتماعي وجعل عقوبة كل من يغرد بما لا يروقه الإعدام أو المؤبد طبقا لشريعة مصنوعة على المقاس ، ثم حصار قطر ، بل محاولة غزوها ، يحيط به رهط من علماء البلاط من قطط الموائد السمينة يفتون له ويحللون له كما يشاء .

لذلك فحين أعلن ولي العهد الحرب على اليمن بحجة دعم الشرعية في هذا البلد وهدم الشرعية في مصر ، كان المغرب يعي أنه أمام حالة نشاز مخالفة لقواعد المنطق السياسي ، وشارك المغرب في تلك الحرب من باب ” الصواب” ، لأن ست طائرات حربية مغربية ليست هي التي ستحقق الفرق ، ثم لأن المغرب حين رفض الانضمام ل”نادي الملوك” ، كان قد صب ماء باردا على الطلب السعودي ، ولعل المغرب كان حكيما في عدم الزج بنفسه وسط أسر حاكمة تعول على الجيوش الأمريكية والأوربية لحمايتها ، وهي في خصام وعزلة عن شعوبها ، باعتبارها الأقرب إلى “أسر محتلة ومستنزفة لخيرات تلك الشعوب” ، في حين يقوم نظام الحكم الملكي في المغرب والأردن على شرعية دينية تنتهي بالملكين إلى نسب الرسول الكريم ، وما يخلفه هذا النسب من توقير واحترام للسبطين ، ثم إن نظام الحكم في المغرب يقوم على حكم الملك مع حكومة وبرلمان والكل منتخب في انتخابات حرة وشفافة .
عموما وعلى الرغم من كل صلح بين المغرب والسعودية ، ونتوقعه ونتمناه ، فإن بيضة العلاقة مشقوقة ، وستتشقق أكثر عندما يؤول الحكم لولي عهد سعودي يفتقد للبصيرة السياسية ، لكن المؤكد أن الصحراء المغربية ستظل مغربية ، وهي كانت كذلك ولو كره آل سعود .
ولن نحتاج من قناة العربية أن تعترف لنا بمغربية الصحراء ، ولا من غيرها من القنوات ، فنحن في صحرائنا منذ أن كان مقر “قناة العربية” خيمة تتلاعب بها رياح الصحراء ، وتقتلع أوتادها ، عندما كانت القبائل في رحلة الشتاء والصيف .

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.