“طيطانيك” الأصالة والمعاصرة … تغرق

محمد الشمسي
إذا كانت الأحزاب “العتيدة” في المغرب تكبرني سنا ، وأحتاج لتتبع مسارها الرجوع إلى تاريخ فيه كثير من التدليس السياسي ، فإن حزب الأصالة والمعاصرة هو مجرد حزب ” ولد العام ” أو هو في أفضل الحالات ” حزب سنان لحليب” ، ممن “كنعقل على زيادتو ” ، الحزب ولد في 8 غشت 2008 والمؤسس هو فؤاد عالي الهمة والعهدة في هذا الكلام على ” الحاج غوغل” الذي ربما لم يعمل على تحيين معلوماته حيث لا يزال يعتبر إلياس العماري قائدا للحزب، و أذكر “حركة لكل الديمقراطيين” التي شكلت منبت الحزب ، وكيف تهافت عليها “الأكلة” سنتها ، طامعين في “بركة شيخها” ، وكيف أوحى لهم كبيرهم فيها أن “أصنعوا الحزب بأعيننا ووحينا” ، و”اسلكوا فيه خيرات الشعب” ، كانت عضلات الحزب تتقوى وتتضاعف في كل يوم ، ولم يكن من قوة آنذاك لتعترض سبيل “الوافد الجديد” ، كان “البام ” قد خلق ليسود وليحكم وليظل وليدوم ، وكان “التاكتور” بحسب أهل البادية يحرث ما يشاء وكيف شاء بلا حدود ولا قيود ، وطبعا “اللي دوا يرعف” .
وبدون مبالغة يمكن القول أن حزب الأصالة والمعاصرة يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة كأحد ضحايا “تسونامي الربيع العربي” ، بعد كل من المقتول معمر القدافي والهارب زين العابدين بنعلي والمعزول حسني مبارك ، فبعد أن انتقى الحزب جراره الأزرق بدأ يقوم بآخر الترتيبات للانقضاض على تدبير الشأن الحكومي المغربي ، الذي لم تكن تفصله عنه سوى أوجاع صغيرة اسمها ” الانتخابات” بصناديقها الزجاجية الشفافة التي كان سيكتسحها الجرار بلا “فران” ، وقد توفرت للحزب حينها كل مستلزمات الاجتياح ، فهو خليط من فئة من بقايا اليسار ممن رهنوا أصلهم التجاري النضالي بتعويضات من ” بنك هيئة الإنصاف والمصالحة” وقبضوا “الكاش” من مال الشعب ، علما أن خلافهم لم يكن مع الشعب ، ثم من فئة من رجال أعمال يجعلون من “الانتهازية” رصيدا بنكيا ، ثم من بعض “السياسيين الجوالين ” من أصحاب “الفرّاشا السياسية” الذين يتنقلون بين الأحزاب كما كان يفعل “العطار” بين الدواوير أيام زمان ، وحدها زوبعة الربيع العربي هبت عاصفية إقليمية ومحلية بغير ما يشتهي “تراكتور البام” ، محملة بأمواج عاتية ، كسرت المحظور ، وفكت عقد ألسنة الشعوب التي خرجت الى الشوارع تشهر فاتورة الحساب ، و ترفع صور “المغضوب عليهم ” ، وكان لحزب الأصالة والمعاصرة ورموزه النصيب الأوفر من حمم الغضب الشعبي ، حينها التقط “كبار البام ” الرسالة ، وقرروا الانكماش و العودة من حيث جاؤوا ، تفاديا لأن تكبر مطالب الحشود ، ولم يبق على متن الجرار سوى “الكومبارس” .
تلقى الحزب تلك الضربة الفجائية والقوية ، تحت الإبط وفوق الأضلع ، وصل صداها إلى الرئة ، فأصيب الحزب بصعوبة في التنفس ، لكن دون السقوط أرضا ، ودون رمي “الفوطة” في الحلبة ، فقد احتل المرتبة 4 ب 35 مقعدا فقط خلال سنة 2011 .
استعاد الحزب توازنه وقام من كبوته ، مستعينا بكثير من “الدوباج السياسي الممنوع ” ، وبكثير من ” المكملات الغذائية الكيميائية السياسية ” ، وراح يرتب الأوراق ويتفقد المواقع ويستبدل القياد ، ليعيد الإغارة على قيادة الحكومة من جديد ، وحقق من النتائج ما اندهش له المحللون السياسيون ومعهم المحرمون في سنة 2016 ، فقد حصل على 102 مقعدا ، لكن دائما في المرتبة الثانية حيث لا يسمح له دستور 2011 رئاسة الحكومة ، حينها تزلزلت الأرض من تحت أقدام الحزب ، وراح بنيانه يتهاوى ، وبات حاله مثل حال قلعة دارت حرب ضروس في ساحتها، وبدل أن يحافظ الحزب على مكسبه الانتخابي تفككت أوصاله ، وكأنه شعاره كان ” يا الحكومة يا بلاش ” وشرعت التسربات المائية تتسلل إلى سفينته ، تماما مثلما وقع لسفينة “طيطانيك” ، بعدما اعتقد أهل الأصالة والمعاصرة أنهم يصنعون سفينة “سيدنا نوح” التي ستُنجي الأمة .
شرعت أركان معبد الحزب تنْهد ، أزيح إلياس العماري بعد أن بات سلاحا بدائيا ، وجيء بعبد الحكيم بنشماش لعله يضخ حكمته بتاريخه وتراكماته في حساب الحزب ويسعفه من السقوط في بالوعة المجهول ، لكن سرعان من تنازع باقي الرفاق على الصفوف الأمامية للحزب ، منهم من يحاول الاندساس في خندق الحزب هربا من الفرقة الوطنية التي تحقق في ملف تبديد 4000 مليار، وياله من مبلغ ” وما يجمعو عا الفم” ، ومنهم من وجدها فرصة الاستيلاء على ما تبقى من الحزب ، ولو من باب تحويله إلى وكالة عقارية لبيع وشراء وكراء ” التزكيات” ، وحشد كل فريق أنصاره وعتاده ضد الفريق الآخر ،وبات “الباميون” مثل ابناء ملك مات فاقتتلوا على سدة الحكم بعده ، لذلك كان من الطبيعي أن يتم الحديث عن “الانقلاب” ، وعن “الدسائس” ، و أن يتعالى دخان المعارك ومعها المؤامرات ، وتنشط الكولسة واجتماعات الليل ، وتحالفات آخر ساعة ، إنها النهاية الطبيعية لآلة ليست ” دوريجين” ، فعهدي بالحزب فكرة يؤمن بها ثلة من القوم ، ثم هي نبتة ، ثم شتلة تنبُت في تربة ، تُروى بماء ، وتُرعى بالعناية ، فتتحول الغرسة إلى شجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في كل أرجاء الوطن ، تكبر مع السنين ، تجود بالغلة والظل ، وتُزين المرأى والمنظر، ولم يكن الحزب يوما مثل عجل السامري بجسد بلا روح ، وبحجم بلا حركة .
وعموما غمست مقدمة “طيطانيك “الأصالة والمعاصرة في محيط بلا قاع ، وهي تغوص في الأعماق رويدا رويدا ، وقد قفز الربابنة الكبار على متن قوارب الغوث ، وأمروا صغار القباطنة بالبقاء على ظهر السفينة للإشراف على عملية الغرق الكلي ، ربما يراد لهذا الكائن الهجين أن يموت بعد أن استنفذ دوره ، أو ربما لا تعيش مثل هذه الكائنات أكثر من 10 سنوات ، في ما يسميه الفرنسيون ب ” DUREE DE VIE ” ، فالحزب أصلا لم يولد ولادة طبيعية ، فهو ولد عظيم الحجم ، وضخم الرأس مثل “عجول شارولي” ، ثم إنه ولد بلا وحم ولا حمل ولا نفاس ، ولد من زواج متعة بين “السيد المال” الذي نكح ما طاب له مثنى وثلاثا من ” سلطة وزعامة وسطوة ” ، فالحزب لم يولد من مسيس أو جماع أو معاشرة ، ولد خارد الرحم ، فهو أقرب إلى “كائن الأنابيب ” ، لذلك لم يقو على مقاومة تغيرات المناخ السياسي المغربي القاسي والبئيس ، ولعلها النهاية الحتمية لمثل هذه المخلوقات الغريبة ، وقد يكون “صناع البام” هم من أمروا بترك الحزب يدمر نفسه ذاتيا حتى لا يكون لنسفه ثمن سياسي ، وحتى لا يبقى حمولة زائدة فوق أكتاف أسياده ، أو سبة يحقرونهم بها .