اتقوا غضبة المحامين فما بينها وبين الفورة من حجاب

كل البوادر تؤكد أن الشرارة الأولى لمواجهة بين أسرة الدفاع على مستوى المغرب برمته من جهة ، وبين إدارة الضرائب باتت تحتاج فقط إلى نسمة برد خاطفة فتؤجج الوضع ، ويهيج الجمر ، وتستعر النار ، إدارة الضرائب ترغب في ضبط التصريحات الضريبية للمحامين والمحاميات ، وهذا يدخل في صميم عملها ، لكن مقترحها بفرض مبلغ 30.000 درهم يؤديها كل محام سنويا كحد أدنى ، وأن هذا المبلغ يصل في حده الأقصى الى 500.000 درهم ، هو مقترح رفضه المحامون بل واستاءوا منه ، معتبرين الدولة تستهين بمهنتهم وتستهدفها ، ومنهم من جزم بأن الدولة تعاقب مهنتهم لتقليم أظافر وقطع ألسنة “المشاغبين ” من أهلها ، الذين يحفزهم إلمامهم بالقانون على البوح بكلمة الحق التي قد لا يطيقها البعض ، واعتبر “أصحاب الزي الأسود ” أن قرار إدارة الضرائب في حقهم كان مجحفا ، وكان منعدم التعليل بل كان فاسدا بلغة أهل القانون ، كل ذلك بحسبهم في حق مهنة تتخذ من النبل والسمو عنوانا ، وتقوم على تقديم الفتاوى ذات البعد القانوني والاجتماعي والحقوقي وجودا ، وهي بعيدة عن لغة الربح و البضاعة والتجارة وعن قانون العرض والطلب والفوترة ، مهنة مرتبطة بالبحث العلمي والدفاع عن الحقوق والحريات والممتلكات .
وبحديثنا الى عدد من المحامين والمحاميات من مختلف بقاع المغرب وعن واقعهم المعيشي والمهني ، تبين أنه ليس كل ما يلمع ذهبا ، وأنه إذا كان فريق من زملائهم وزميلاتهم قد جادت عليهم المهنة بجودها وأغدقت ، فإن هؤلاء “الأثرياء” لا يمثلون سوى قلة قليلة ، تنتمي في غالبيتها إلى أسر موسرة قد تكون المهنة بالنسبة لها مجرد بريستيج أو عنوان يضمن المكانة الاجتماعية ، فالغالبية القصوى من المحامين والمحاميات بمختلف ربوع الوطن يعانون في صمت ، وتحول صفاتهم وسمو مهنتهم دون قدرتهم على البوح بنزيف في دواخل كل واحد منهم ، ويعتبر هؤلاء أنهم ضحايا صورة نمطية رسمها لهم مجتمع لا يرحم ، بكونهم أهل ثروة ، والحال أنهم يعيشون الكفاف والعفاف ، إلم يصل الأمر إلى حالة الخصاص لكن مع كثير من الإيثار والأنفة وكبرياء مهنة تعلم صاحبها تحمل الصدمات وتدبيرها .
بالمقابل لا تستحضر إدارة الضرائب البعد الإنساني والاجتماعي لمهنة المحاماة ، ففي قاموس إدارة الضرائب هي مهنة تخضع للدفع الضريبي ، وأهلها الذين يفنون أعمارهم في الدفاع عن أركان وشروط المحاكمات العادلة ما هم إلا ملزمون بالأداء مثل باقي الملزمين ، وهم مخيرون بين الدفع أو العقاب الضريبي ، ملوحة بترسانة قانونية .
لكن كل المحامين يقرون للدولة أحقيتها في تضريب مهنتهم ، وهم مستعدون لدفع ما عليهم من ضرائب ، وهم لا يطلبون إعفاء ولا استثناء ، بقدر ما يرون أنهم في حاجة للغة التشاركية التي تبناها الدستور ، لغة الإنصات لهمومهم وآهاتهم ومطالبهم ، ثم البحث معهم لإيجاد صيغة ضريبية تلزمهم بالدفع دون إسراف ولا تفريط ، حيث يتم استحضار خصوصية مهنة تقوم على تقديم خدمات مرتبطة بالحريات والممتلكات والأسرار ، يقابلها زهد في العطاء ، في مجتمع يعيش غالبيته الفاقة والفقر والهشاشة ، ويضيف المحامون أنهم لا يلمسون قيام الدولة بواجباتها نحوهم ، حتى تجبرهم على القيام بواجباتهم حيالها ، فبالعودة الى بنود المواثيق والاتفاقات الدولية فإن الدولة ملزمة بتوفير التكوين والعون للمحامي حتى يمارس مهنته في تجرد وكرامة واستقلال ، وحتى لا يفرض قلة الحلية على البعض الجنوح الى الانحرافات المهنية ، فليس المرء بأمين على نفسه إذا أنت جوعته أو خنقته أو قطعت سبل عيشه ، فالمحامي بحسب شهادات صادمة يواجه مصيره بنفسه منذ نجاحه ، وحدها هيئات المحامين التي تحتضنه ، ووحدهم زملاؤه في المهنة من يدفئونه بدفئهم ، حتى يشتد ساعده المهني ، وهو مطالب وسط هذه الظروف المتقلبة بإنشاء أسرة وفتح بيت ، وكذا المحافظة على يافطة المحامي والأستاذ التي كتبها القانون والواقع على جبينه أمام الناس ، فلا يرفث ولا يفسق ولا يجاور أيا كان ولا يسكن أينما شاء ، وتكبر الأعباء مع مرور السنين ، في مهنة لا تقود صاحبها إلى الثراء بالضرورة بقد رما تضمن له حد أدنى من العيش الكريم أو الشبه الكريم ، رغم ما تعيشه هذه المهنة من طقس متقلب المزاج بسبب عدد من السحب ذات الأمطار السامة ، من قبيل منافسة غير مشروعة من عدد من أشباه المهن ، وبسبب شح تشريعي يعفي الدولة من عناء تنصيب محام ، ومن هزالة مداخيل المتقاضين الذين هم شريان حياة المهنة ، ومن معاناة قطاع القضاء برمته من سوسة الفساد وحالات الانفلات التي تجعل المحامي بنصوصه القانونية واجتهاداته أحيانا جانبا ، ومن …ومن ….
من الثابت أن إدارة الضرائب جادة في قرارها ، ومن الواضح أن قبيلة المحامين مصممة على التصدي والمواجهة ، وهم أهل تجربة وبال طويلين في مجال المواجهات والتصديات ، بما ينبئ بانفجار بات وشيكا ، يرغب من خلاله المحامون إلى الإعلان عن عودتهم إلى الساحة ، عبر سلسلة من النضالات ، سيتم تحديدها السبت المقبل ، وترغب من خلالها إدارة الضرائب السير أبعد نقطة ممكنة لحث أصحاب البذلة السوداء على الامتثال لقراراتها ، ملوحة بتاريخ معين جعلته آخر يوم في السنة الحالية وأول يوم في السنة المقبلة ، فهل يستهل المحامون سنة 2019 بمسيرات الغضب والاحتجاج ؟ ، في زمن احتجت فيه مكونات كل المهن الحرة والموظفين والأجراء وحتى القضاة ، ولا يزال المحامون كاظمين الغيظ عافين عن الدولة ، فهل حان وقت غضبة أصحاب البذلة السوداء على واقع أسود وزادته إدارة الضرائب سوادا ؟ .