الرأي

الانتخابات في “العروبيات”

عاداوي

الحملات الانتخابية في العالم القروي ، أو بالأحرى عند أهل البادية ، لها طقوسها ولها مصطلحاتها ولعا قاموسها ، في البوادي المغربية للرجولة والوعد والصدق معان أخرى غير تلك المتعارف عليها في القواميس العربية ، في البوادي المغربية تجد “فقيه الجامع” الذي يحدث المصلين كل جمعة ويؤمهم في كل صلاة ، لا يرى ضيرا في قبض المال أيام الحملات الانتخابية ، وهو يقحم ذلك في خانة “الرزق” ، وتجد الرجل يبيع صوته وصوت زوجته وصوت بناته وبنيه ويقسم على المصحف أن يظل وفيا للوعد الذي قطعه للمرشح ، يقسم ويده اليمنى على المصحف و اليسرى تثبت الرشوة في جيبه الأيسر ، وهذا المواطن يختلط عنده الوفاء بالعهد مع الفعل الجرمي ، وفي عالم البوادي المرشح “الراجل ” هو ذلك “البلطجي” الذي لا يزن كلامه في التجمعات ، يقول ما حلى له ، ويتفوه بما تجود عليه به نفسه ، يسب هذا وينعت ذاك بنعت ناب ، ويمزح مع هذا مزاحا ثقيلا وسخيفا ، والحشد من خلفه يقهقه جماعة ، في عالم البادية لا يمكنك ان تجد أذنا واحدة تنصت لك وأنت تحذرهم من أنهم يبيعون مستقبل الاجيال لهؤلاء “الشناقة ” ، وأنهم بتهاونهم وبتواطئهم مع تجار الانتخابات إنما يكونون مثل اولئك القوم الذين يركبون سفينة واختاروا ثقب السفينة لاجل الحصول على ماء ، فأوشكوا أن يغرقوا السفينة ومن عليها ، في هذا العالم المنسي وخلال هذه الحملة المسعورة ، ينجر الكل مع تيارات الفساد والافساد ، فأما المرشح فلا يقدم برنامجا ، بل يقدم فقط طعونا في خصومه والنيل منهم وذكرهم بسوء ولو تطلب الامر النبش في نسبهم وسيرهم ، ثم يقدم الاموال لسرب الكتلة الناخبة ، ويتوسل في المصوتين باسم القبيلة والفخذة والعشيرة و” الطعيمة ” ، هذا المرشح هو نفسه لا يعرف اختصاصات المستشار الجماعي سواء كان قرويا او حضريا ، هؤلاء القوم لا قبل لهم بنصوص مدونة الانتخابات ، ولا يعرفون شيئا اسمه برنامج انتخابي ، ولا يعرفون حتى الاسم الكامل للحزب الذي “اشتروا” منه التزكية ، في البادية المغربية التي يحلو للبعض تسميتها ب”العروبية” ، للناس هناك طقوسهم الخاصة بهم في الانتخابات ، الانتخابات هناك هي عملية بيع وشراء وكراء ورهن ، الانتخابات في “العروبية” لا يمكنها ان تكون بدون مال ، كما لا يمكن لبراد الشاي ان يكون بدون سكر هناك ، الحديث عن انتخابات بدون مال لا يجلب لصاحبه سوى السخرية وهجران ذويه له ، النص القانوني الذي يعاقب الافعال الجرمية المرتبطة بالانتخابات هو مجرد اشاعة ، المرشح “الراجل و الكريم والصادق ” هو من يوزع الاموال ويقيم المواسم ويذبح الخرفان ويستقدم الشيخات وعبيدات الرمى ، المرشح المعقول هناك هو من يسارع الى حفلات الولائم سواء في اطار تعزية او تهنئة بفرح او عرس ، يسلم لعائلة الفرح او القرح مبلغا ماليا معلوما ، أمام “شيخ الجماعة ” لتقوم الجماعة بالترويج لهذا الكرم الحاتمي ، في البوادي المغربية لا يمكنك ان تملك عقلا سليما وصافيا إذا أردت ان تتابع ما يجري ويدور خلال الحملات الانتخابية ، الناس هناك لا قبل لهم بالخطاب الملكي يوم 20 غشت ، يصعب تغيير الناس هناك ، وإفهامهم أن من يعرض عليهم شراء اصواتهم هو من يسرق حاضرهم ومستقبل ابنائهم ، هو من يحكم عليهم بالعيش في الهامش ، هو من يغدر بهم ويدفعهم الى خلف الموعد مع التاريخ مع المناسبة ، ذلك اللئيم يشتري له منصبا لكن ثمن ذلك المنصب يعطل مسيرة التنمية في منطقة لسنين طويلة ، كان الله في عونكم أهل البادية مع الجهل من جهة ومع “حرايفية الانتخابات ” من جهة ثانية ، وكان الله في عون الاجيال الصاعدة من سيجدون الاباء والاجداد قد باعوا البلد ورهنوا الدائرة ، وتبا لمصالح الشؤون العامة ببعض العمالات وببعض مراكز الدرك الملكي ممن يعاينون تلك الجرائم ولا يحركون ساكنا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى