سكوب

حضراني : الدار البيضاء مدينة التناقضات الكبرى وأضعف النماذج في مجال التدبير

حوار مع الدكتور أحمد حضراني

يفتح موقع ” كازاوي” ملف تجربة وحدة المدينة لتقييمها بعد مرور عشر سنوات على تطبيق هذا النظام ، عبر سلسلة من الحوارات مع أساتذة جامعيين وفاعلين سياسيين وفعاليات من المجتمع المدني وإعلاميين.

حوار اليوم مع الدكتور أحمد حضراني: أستاذ جامعي ورئيس مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية

س: بعد مرور أكثر من 10 سنوات على تجربة وحدة المدينة مارأيكم في هذه التجربة بإيجابياتها وسلبياتها ؟

ج :

تجب الإشارة بداية إلى أن الدار البيضاء، التي هي مشمولة بهذا النظام ، تعد القلب النابض للمغرب والعاصمة الاقتصادية للبلاد ، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي،وتجمعها العمراني، وكذا النمو الديمغرافي المرتفع،إضافة إلى توفرها على شبكة من البنيات والتجهيزات الكثيفة، تؤهلها لاستقطاب الاستثمارات في قطاعات الصناعة والسياحة والتجارة والخدمات، مما يجعلها قطب شرايين الاقتصاد الوطني وميتروبول المغرب ككل. وهي مختبر للمشاريع الكبرى (مشروع إعادة تأهيل المدينة القديمة، المارينا ، القطب المالي أنفا، تثليث الطرق السريعة، الأنفاق، الترامواي…) ، ويسجل على أول خط الطرامواي انطلاقه في التاريخ الذي حدد له ( 12 ـ 12 ـ 2012)، وهاته المشاريع الكبرى وغيرها ، لم يكن لها أن تنجز أو تبرمج كليا أو جزئيا، وإلى حد ما ، إلا بفضل وحدة المدينة.و لكن تبقى الدارالبيضاء مدينة التناقضات، وبامتياز، ودون مستوى تلبية الانتظارات وترجمة الطموحات، وليس هناك أبلغ من التشخيص الذي خصصه الخطاب الملكي لهاته المدينة (التي تنعث “بالغول”، والذي يحيل في مخزون الذاكرة الشعبية على الكائن المفترس وعلى الحمولات السلبية وغير النافعة) ، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة للبرلمان:” …واعتبارا لمكانة الدار البيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا… غير أن الدار البيضاء لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري”.

ويسترسل الخطاب الملكي في الكشف عن هاته التناقضات : ” وهل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى … فالدار البيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعته”ا( لقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن نبه على مشكل النظافة التي تعاني منه الدارالبيضاء). و إن مقياس التقدم والتمدن لا يقاس بتكميم الظواهر والزحف العمراني، وإنما بالكيف وبجودة الحياة وكرامة الإنسان:” كما أن تقدم المدن لا يقاس فقط بعلو أبراجها، وفساحة شوارعها، وإنما يكمن بالأساس، في توفير بنيتها التحتية، ومرافقها العمومية، وجودة نمط العيش بها”. تلك هي أعطاب مدينة الدارالبيضاء، التي تعاني من مشاكل جمة من قبيل الزحف الإسمنتي (الرحمة، الهراويين، النواصر، تيط مليل، دار بوعزة، بوسكورة)، والخصاص الكبير في المناطق الخضراء،( بل حتى المتنفس الأخضر ببوسكورة لم تسلم أشجاره من معاول الجشع العقاري)، السكن غير اللائق و الدور الآيلة للسقوط، النظافة ، وضعية الطرق والنقل وتفشي الإجرام، ثلوت الهواء والشواطئ …

وهاته الوضعية تساءل المدبرين القيمين على تدبير الشأن العام المحلي ، ولا بأس من التذكير هنا بالتأطير المؤسساتي الترابي، وخاصة نظام ما يعرف ب “وحدة المدينة”.

والذي جاء في إطار الإصلاح الذي حبل به القانون رقم 00 78 المتعلق بالميثاق الجماعي، وهو الذي يحمل صيغة ” المقتضيات الخاصة بالجماعات الحضرية الخاضعة لنظام المقاطعات” ، والتي كرسها القانون رقم 08ـ 17 . فالنص الأول أخضع الجماعات الحضرية التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة لهذا النظام ، وكان ذلك من نصيب المدن التالية : الدار البيضاء ، الرباط و طنجة،مراكش، فاس، سلا. وهي نفس المدن ، التي

كرسها النص الثاني، بالاسم وبالقانون، وبشكل تحكمي، وكان الهدف من وراء إقرار” نظام وحدة المدينة” هو تجاوز تنظيم المجموعات الحضرية وسلبياته، والحد من ذلك التفاوت الصارخ الذي كان قائما بين جماعاتها، و تفتيت الموارد المالية، وتشتت الجهود… وبالتالي خلق بديل مؤسسي لعقلنة تدبير الشأن المحلي، وتوحيد الرؤى و شمولية التصورات ، من خلال مجلس جماعة واحد وموحد، ومجالس مقاطعات تكون تابعة للمجلس، تفتقر للشخصية المعنوية.

و إذ تتوفر الدار البيضاء على جماعة حضرية واحدة، و 16مقاطعة ، بيد أن الجماعات الأخرى المماثلة تضم فقط بين أربع وست مقاطعات ، و لا تعرف نفس المشاكل وبنفس الحدة مقارنة بمدينة الدارالبيضاء. فكيف سيصبح الحال إذا أضيفت مقاطعات أخرى؟

عموما إن المنظومة الانتخابية في المغرب لا تفرز إلا خرائط مبلقنة، وتحالفات لأغلبيات هشة ومتناحرة، والدليل على ذلك الولادة العسيرة لمكتب مجلس الدارالبيضاء، والتي انعكست سلبا على سير عمل ومهام المجلس، الشلل أو”البلوكاج” الذي شهده المجلس قرابة سنتين ،والتطاحن حول التفويضات فقط ، كما أن نقص التكوين والكفاءة لدى عدد من المنتخبين ،والذي لم يستطع أن يعوضه وجود الجيش العرمرم من الموظفين والأرصدة العقارية، لم يفرز سوى تعطيل مصالح السكان.

و يبدو أن سلبيات وحدة المدينة، والتي يحلو للبعض أن ينعتها ب ” وحلة المدينة” رجحت كفة السلبيات على الإيجابيات.

س: لم يستطع نظام وحدة المدينة المطبق بالدار البيضاء خلق توازن بين مركز المدينة

وهوامشها ماهو السبب في نظركم ، القانون أم تطبيقه أم أشياء أخرى ؟

ج: هي هاته العوامل مجتمعة ،تساهم كليا أو جزئيا في هندسة العلاقة بين مركز المدينة وهوامشها:

ـ فعلى المستوى القانوني: فالمقاطعات لا تتوفر على الشخصية المعنوية، ولا على ميزانية مستقلة ، بل فقط على منحة تلحق بميزانية المجلس الجماعي، و تحدد من طرفه.

ومجلس المقاطعة في وضعية التبعية إزاء مجلس الجماعة ـ المدينة ـ، فالأول يمارس الاختصاصات لحساب وتحت مسؤولية ومراقبة الثاني، إضافة إلى مشكل تداخل الاختصاصات وتضاربها ما بين المجلسين: الجماعي و المقاطعاتي والرؤساء. فمثلا تخول المادة 104 من القانون رقم 17.08 لرئيس مجلس المقاطعة تسليم رخص البناء والسكن المتعلقة بالبنايات التي لا يتجاوز علوها 11 مترا و التي توجد في المناطق المتوفرة على وثائق للتعمير سارية المفعول، و توجه قصد الإخبار نسخة من الرخص المسلمة من طرف رئيس المقاطعة إلى رئيس الجماعة داخل أحل ثمانية )8( أيام.

فهل معيار العلو كافي و دقيق لتحديد الاختصاص، وهل الإخبار يرتب مسؤولية مشتركة أم أحادية ، علما أن عمل المقاطعة يتم لحساب وتحت رقابة الجماعة. ومع استحضار فاجعة بوركون، فمن يتحمل المسؤولية؟

أكيد أن هناك مناطق “رمادية” رسمها النص،و هندسها التقطيع، و فاقم منها الواقع.

كما أن الحالة التي يتم فيها حل المجلس الجماعي ، يستتبعها توقيف مجالس المقاطعات إلى أن يقع تجديدها. و قرار الحل هذا يحمل ويرحل وزر مجلس جماعي مدان لمجلس مقاطعة لم يومأ إليه بسوء التسيير.

وهكذا يتبين أن المقاطعات تعمل تحت رحمة الجماعة اختصاصا وتمويلا ومراقبة. ولهاته الأسباب وغيرها .فالتوازن مختل ما بين المركز والمحيط ،وهو راجح لفائدة الجماعة ، ويموقع المقاطعة في دائرة الهامشية والتهميش. وينضاف إلى ذلك ما يمكن تسميته ب” بؤس التمثيلية “، وخاصة بالنسبة لمستشاري المقاطعات ، الذين ليس لهم امتداد تمثيلي داخل المجلس الجماعي، وليسوا حتى فاعلين في هاته التمثيلية، إذ يحرم عليهم التصويت والترشيح للعضوية داخل المجالس الإقليمية والجهوية (أصبح انتخاب أعضاء المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر حسب دستور 2011 ) ،ولمجلس المستشارين ،خلافا لمنتخبي المجالس الجماعية القروية أو النائية أو جماعات المشاور…كما لا يحق لهم الترشيح لرئاسة مجلس المقاطعة، فهذا نوع من التمييز ما بين ممثلي السكان ناتج نفس اللائحة الانتخابية التي تفرز مرشحين ذوي تمثيلية مزدوجة، وآخرين أعضاء المجلس المقاطعاتي ، وهؤلاء يصنفون ضمن “مستشارين من درجة ثانية” أو “أشباه المنتخبين “. فهذا النظام يخرق مبدأ المساواة، ويخلق تراتبية تمتيلية بين المنتخبين.

ـ و على مستوى السياسي:فإن العامل الحزبي يفاقم من ذلك، فاختلاف الطيف الحزبي بين الأجهزة التنفيذية للمجالس التداولية (الجماعة، المقاطعات) يكرس التناحر عوض التنسيق والانسجام ( الجماعة ومقاطعة المعاريف مثلا)، بل عدم الانسجام حاصل داخل أعضاء المكتب الواحد(حرب التفويضات).

وإذا تم استحضار المشاكل المالية والبشرية ، وعدم القدرة على جرد حتى الممتلكات، والتحكم في تدبير شؤون الموظفين، والانسحاب من التسيير،فحتى الثقافة فوتت في جلسة 30 أبريل2014 لشركات التنمية المحلية : شركة البيضاء تراث ، وشركة البيضاء تنشيط )، بالإضافة إلى تفاقم المشاكل اليومية للمواطنين( النظافة، النقل، التجهيزات الأساسية…) .

و ضدا على النص القانوني الذي يحصر تدخلات هاته الشركات في الأنشطة الاقتصادية.

بل يظهر أن الاهتمام بالبنيات التحتية يتم بشكل متفاوت، و يكون من نصيب الشوارع الكبرى للمدينة، وفي مقاطعات دون أخرى ( تسييس الأشغال).

فالعامل القانوني و المعطى البشري، والعنصرالسياسي والحزبي عمق من هامشية المحيط ، المتخن بأحزمة البؤس والتوطين الإسمنتي الزاحف.

س: يجري الحديث داخل منتديات الدار البيضاء ،حول إعادة النظر في تجربة وحدة المدينة ، من داع لتقسيم المدينة إلى أربع جماعات محلية ، وبين مناد بالاحتفاظ بنظام وحدة المدينة لكن مع تقليص عدد المقاطعات وعدد المنتخبين ، ماهو رأيكم ؟

ج:

فيما يتعلق بالشق الأخير من السؤال فإن التوجه، ومنذ مدة ، ينحو منحى التقليص من عدد المنتخبين ، وحصر التسيير على أعضاء المكتب(دائما المنتخبون شماعة سوء التسيير، وكأن أجهزة المركز واللاتمركز في وضعية الذئب من قميص يوسف )، والنصوص المرتقبة تذهب في سياق إلزامية الحضور في الدورات، تجنبا لواقع حال الدورات التي لا يكتمل فيها النصاب القانوني،أما بخصوص الرجوع إلى النظام القديم ( النظام العام والأصلي)، فدعني أتذكر يوما دراسيا أقيم بجماعة سيدي مومن بتاريخ 10 يناير 2003 شاركت فيه بمداخلة متواضعة، تحت عنوان : “نظام المقاطعالت وآليات الاشتغال “. وكنت قد حذرت من مغبة أن يؤلم نظام وحدة المدينة لابسيه (من منتخبين، موظفين، ومواطنين…)، وكيفما كان الحال ،فإن القوانين لا تصلح إلا بما صلح بها أهلها، وإن النظام القانوني الجيد لا يستقيم إلا بالإدارة التي تطبقه ، فالعبرة بالنتائج، و يجب استخلاص الخلاصات،وإصلاح ما يمكن إصلاحه.. فواقع المؤسسة الجماعية بالدار البيضاء يظهر أن القيمين على تدبيرها في تطاحن، والمقاطعة في وضعية المتفرج، فالدار البيضاء تفتقد إلى قواعد الحكامة الجيدة ،وتظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير، وفي حاجة إلى إطار قانوني ملائم، تبعا لصريح عبارة الخطاب الملكي.

و في تقديري فإن هذا الإطار القانوني قد يتم من خلال مراجعة نظام المقاطعات ، والعودة إلى النظام الجماعي السابق ،وفي هذا الصدد هناك مؤشرات دالة لإعادة إحياء المؤسسات القديمة.

فقد جاء القانون رقم 00 78 المتعلق بالميثاق الجماعي بنظام وحدة المدينة التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، ولو أثبت هذا النظام نجاعته لتكرس ، وازداد عدد المدن المشمولة به، وخاصة مع قانون رقم 08 17 . الذي حصر أسماء المدن المشمولة بهذا النظام، وتخلى عن العتبة المذكورة حتى لا يشمل بلديات أخرى، كما أن مجموعات التجمعات الحضرية ، التي هي من مستجدات قانون رقم 08. 17 لا تذكر إلا بنظام المجموعات الحضرية التي تخلى عنها القانون رقم 00 78، و ما شركات التنمية المحلية إلا إعادة إنتاج لشركات الاقتصاد المختلط.

و هو ما يبررالعودة للنظام الإداري العام، أي الجماعة الترابية القاعدية بتخويلها الشخصية المعنوية ،واستفادتها من ميزانية قائمة الذات، لضمان تقوية البناء المؤسساتي،ودعم الديمقراطية التمثيلية ، ورد الاعتبار للمنتخبين وللمؤسسات المنتخبة،بل وترجمة مبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات، والمتمثلة في تكريس سياسة القرب، ومعالجة الاختلالات وتقليص الفوارق بين مختلف أحياء وشوارع الجماعة، ( المادة السادسة من القانون رقم 12.131 المتعلق بمبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية). و إن تكريس سياسة القرب، وتحقيق لامركزية الخدمات، و سد النقص الحاصل في التجهيز، وتوفير البنيات الأساسية، وبالتالي تحريك النشاط الاقتصادي بخلق أقطاب تنموية محلية، وتلبية انتظارات السكان وتأطيرهم ، وتجسير أواصر الحوار والتواصل مع المواطنين بشكل يومي، منهجي ودائم ، تقع على عاتق المنتخبين والمجالس الجماعية ، فهاته الأخيرة ، كما يؤكد ذلك الخطاب الملكي هي المسؤولة عن تدبير الخدمات الأساسية، التي يحتاجها المواطن كل يوم. فالمنتخبون الجماعيون هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية (توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة، وجودة الطرق) في نطاق دوائرهم الانتخابية، أمام السكان الذين صوتوا عليهم. وهذا لن يتم إلا من خلال التحكم في المجال ومحتواه الاجتماعي، بمساحة معقولة وبعدد سكاني مناسب،وبالتوفر على الوسائل المالية والبشرية ،والإمكانيات اللوجيستيكية، و بآلية تشريعية و غطاء قانوني لا يخلق تمييزا بين الوحدات الترابية.و أكيد أن الإحصاء المرتقب للسكان قد يؤكد تجاوز الدار البيضاء لعتبة 4 ملايين نسمة ،وبشكل كبير،و هو ما يستدعي اعتماد أربع( 4 ) جماعات على الأقل،ارتكازا على عتبة 000500 نسمة(معيار قانون 00 78 ) ، بل يكون هذا المعيار، ( المجسد لوحدة المدينة )والانسجام السكاني ولروابط الاتصال المجالي والجغرافي محددا لتحديد الجماعة المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي،( تدبير قطاع النظافة بالدارالبيضاء يقسمها إلى خمسة محاورـ مجالات ـ ) ، و لا ينبغي التدرع بالوعاء الجبائي والمورد المالي المتفاوت بين الجماعات، فماذا حققته المدينة الحالية(فرغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء وخير مثال على ذلك، ما يعرفه مجال التطهير من خصاص كبير، بحيث تظل المنجزات محدودة وأقل بكثير من حاجيات السكان ـ الخطاب الملكي ـ ).

ثم إذا كانت هناك جماعات لها أوعية جبائية ، فالأخرى لا تعدم الرأسمال لا المادي، فالرهان على العنصر البشري بالدرجة الأولى، والتنافسية( و في ذلك فليتنافس المتنافسون) و التدافع حول البرامج وخدمة الصالح العام، لتثمين التدبير الناجح ، ومسائلة الفاشل، وهذا أحسن من تعميم النمطية الميزاجية السلبية. تم إن صندوق التأهيل الاجتماعي(الفصل 142 من الدستور)، كفيل بأن يحد من هاته التفاوتات. وبالتالي تكريس سياسة القرب، ومعالجة الاختلالات وتقليص الفوارق بين مختلف الأحياء والشوارع .

و إن الرجوع بالدار البيضاء إلى النظام العام من خلال التخلي عن نظام المقاطعات والمشاور، فيأتي إقحاما للبعد الديمقراطي في تدبير الشأن العام المحلي، وترجمة للمبادئ الدستورية ،اعتمادا للاختيار الديمقراطي، و ترتيبا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة(الفصل الأول من الدستور)، وتجسيدا لمبادئ التدبير الحر (الفصل 136).

س: ماهو في نظركم نظام التدبير الأمثل لمدينة بحجم الدار البيضاء وأي تجربة عالمية يمكن الاقتداء بها ؟

ج:

يجب الإقرار بأن المغرب راكم تجربة في ميدان اللامركزية، وإلا لماذا نشد الجهوية المتقدمة، ويتغيأ الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، وبالتالي فقد أصبح في منأى عن الاستيلاب، أو تقليد النماذج الأجنبية المعلبة، ولكن هذا لا يعني التقوقع في هذا الزمن العولمي بالخصوص، بل يجب الاهتداء بالتجارب الناجحة سواء في الشق التشريعي أو التنظيمي، بل لو تم تفعيل ما هو موجود من آليات للتعاقد والتعاون اللامركزي لما تم اللجوء إلى الخبرة الأجنبية لجمع أزبالنا، فالرهان على النخبة والأحزاب السياسية، وعلى الرجال(ليس بالحمولة الذكورية) في المقام الأول، المؤمنين بأساليب التدبير الحديث، واعتماد التقنيات ، وبمبادئ الحكامة الجيدة، والعمل وفق منهج التخطيط والمقاربة التشاركية، ولهذا يجب اعتماد الآتي :

ـ التدبير الحديث وخاصة في شقه المالي :إعادة النظر في التبويب الكلاسيكي للميزانية الجماعية (ميزانية الوسائل) باعتماد تصنيف اقتصادي ووظيفي للموارد والنفقات ،اعتمادا على هيكلة تقوم على أساس البرامج، والمشاريع، انسجاما مع نظام هيكلة الميزانية العامة للدولة كما اقترحها مشروع القانون التنظيمي للمالية رقم130.13 . وإحداث نظام خاص بالصفقات العمومية للجماعات يراعي طبيعتها وخصوصياتها. و تحيين نظام المحاسبة العمومية للجماعات الترابية ،وتدوين بعض النصوص المتعلقة بالشرطة الإدارية الجماعية والممتلكات وتحيينها.وإصلاح المنظومة الجبائية وترشيد النفقات. مع توضيح الاختصاصات ما بين مكونات الجماعات الترابية ، وانطلاقا من مبدأ التفريع .

ـ تكوين المنتخب الجماعي، ويقع على عاتق الأحزاب السياسية تقديم مرشحين متصفين بشروط خاصة، سواء على مستوى المؤهل العلمي أو من جانب النزاهة الفكرية والاستقامة السياسية، وفي هذا الصدد نذكر بما جاء في الخطاب الملكي:”… وأمام ما تشهده العديد من المدن الكبرى والمتوسطة، والمراكز القروية، من اختلالات، فإننا نتوجه للأحزاب السياسية، لضرورة العمل على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، خاصة في ظل ما يخوله الدستور للجماعات الترابية من اختصاصات واسعة، وما تفتحه الجهوية المتقدمة من آفاق، وما تحمله من تحديات”.

ـ الانتخاب المباشر للرئيس، فتمتع العمدة أو الرئيس باختصاصات واسعة، يجب أن تكون مسنودة إلى الشرعية الشعبية والانتخاب المباشر، ناهيك عن إقرار حالات التنافي بشكل عمودي و أفقي بالنسبة لهذا المنصب.

و إن هاته التدابير وغيرها، وفي ظل وجود نخب لها غيرة على جماعاتها، وفي تواصل دائم مع الساكنة، في ظل عدم تعتيم المعلومة، ومع استحضار الفاعل أو الشريك الجديد ـ المواطن والمجتمع المدني ـ ومن خلال نظام العرائض، في اتخاذ القرار المحلي، ومع وجود الإرادة السياسية، يمكن تحقيق التدبير الأمثل، في الحد الأدنى، وذلك أضعف الإيمان.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى