الرأي

غرف بلا “بلان “

عاداوي

انتهت انتخابات الغرف المهنية ، نجح من نجح وفشل من فشل ، وكانت نسبة المشاركة غير مفاجئة ، فهي بالكاد تجاوزت نسبة ثلث الكتلة الناخبة ، في حين فضل الثلثان من الناخبين الاستمرار في عطلتهم الصيفية غير مبالين بهذه الانتخابات ، والواقع ان انتخابات الغرف المهنية هذه مرت بشكل يكاد يكون سريا ، فلا حملة اعلانية أو اعلامية تُعرفُ بها وتُشعرُ الناخبين بدورها و بتاريخها وبكيفية المشاركة فيها ، فباستثناء حملة انتخابية فاترة وباردة يقوم بها رهط من المرشحين هنا وهناك ، فإن هذه الانتخابات مرت في أجواء شبه سرية.

ليس المقام هاهنا للقول بنزاهة هذه الانتخابات من قذارتها ،ف” العربون باين ” ، وليس المقام هاهنا لاستقراء نسبة المشاركة ومدى هزالتها ، بما يؤثر على مصداقية هذه الانتخابات ، المقام هنا مطروح بقوة حول سؤال أعمق هو : ما جدوى هذا الصنف من الانتخابات ؟ ، فإذا كانت الكتلة الناخبة المعنية لم تتحرك لإنعاش مؤشر المشاركة ، فهذا يعني ان المهنيين المعنيين هم غير معنيين بهذه الانتخابات ، لانهم ببساطة لا يجدون في هذه الغرف ما يحمي مصالحهم ، ولان المهنيين لا يرون في هذه الغرف بكل أصنافها من فلاحية وصيد بحري وتجارة وصناعة وخدمات سوى هدرا للمال العام ، وتمييعا للفعل الانتخابي ، فهؤلاء الناجحون في هذه الغرف ينجحون فقط لأجل الانضمام الى الجوقة المصوتة على أعضاء في الغرفة الثانية ( مجلس المستشارين) ، وهذه المهمة من شأنها أن تعيد التوازن المالي لعدد كبير منهم ممن اشتروا مقعد الغرفة في التصويت المباشر لاجل إعادة بيع هذا الصوت في التصويت غير المباشر .

الواقع يقول أن ترشيد النفقات العمومية يقتضي إعادة التفكير في جدوى هذه الغرف ، فقد صارت غرفا عشوائية وبدون تصميم ولا ترخيص ، غرف عشوائية لا تعمل سوى على تلويث المشهد السياسي ، فأهل هذه الغرف لا يقدمون اي خدمة للحرفيين ، والغرف بمختلف انواعها تبقى للاستهلاك الانتخابي لا اقل ولا اكثر ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، نطرح سؤالا : ماذا تقدم غرفة الفلاحة للفلاحين ؟ الجواب في كلمتين اثنتين هما “لا شيء ” ، فالفلاح المغربي لا يحتاج الى غرفته ، والغرفة الفلاحية تعيش بمعزل عن الفلاح ، وهناك فلاحون لا يعرفون حتى مقر غرفهم الفلاحية ، والفلاح علاقته وطيدة بمؤسسات القرض الفلاحي ومندوبيات الفلاحة ومؤسسة الحوض المائي والمحافظة العقارية ، اكثر من ارتباطهم بغرف تبدو لهم غرفا وهمية وصورية ، يضعها اصحابها ليفوزوا بانتخاباتهم فيها ، ويظفروا لهم بمصالح شخصية .

مرت انتخابات الغرف المهنية وكأنها لم تُجرَ من الاصل ، وإن كان من فائز فيها فهم بالضرورة ليس المهنيون المنتمون اليها ، بقدرما فاز فيها كثير من “حرايفية الانتخابات ” الذين لا “يزكلون ” انتخابات إلا ودخلوها بل إلا وأفسدوها ،فهناك من جرب حظه في الترشح لاحدى الغرف المهنية ، وقد يكون من الفائزين ، وقد يكون من “المسخنين” للانتخابات البلدية والجهوية التي هي على الابواب ، ومنهم من سيظفر ب”فياج ” من المقاعد ، مقعد في احدى الغرف ، ومقعد في البلدية ، ومقعد في الجهة ، وقد يظفر بمقعد رئاسة البلدية ورئاسة الجهة وبكرسي في مجلس المستشارين ، ولا يبقى له سوى المشاركة في انتخابات الفيفا ، او في انتخابات دولة مجاورة ، وفي جميع الاحوال تبقى الهوة شاسعة بين المهنيين على ارض الواقع ، وبين غرف هجرها سكانها الاصليون ، وسكنتها مخلوقات انتخابوية ، يتعين طردها ولو بواسطة ” فقيه سوسي ” ، ثم هدم تلك الغرف لكونها لم تعد بل ولم تكن يوما ذات قيمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى