الرأي

عاداوي…الفرق بين ملكنا وملوكهم

إذا صح ما صرح به وزير العدل والحريات من أن الملك طلب منه شطب كل فصل قانوني من مشروع القانون الجنائي يفرد عقوبة لكل شخص قد يتهم بالاساءة للملك ، فإن ملك المغرب يواصل ربيعه وثورته ، هذا الملك الذي تنازل عن عدد كبير من اختصاصاته بموجب دستور 2011 ، واستجاب لمجرد هبوب نسيم خفيف هب على المغرب من دول الربيع العربي ، لم يخاطب هذا الملك شعبه بمقولة ” من انتم ؟” ولم يتهم الطامحين في الاحتجاج بالعمالة والارهاب ، ولم يعط اوامره للجنرالات بتطويق الحشود وطحنها تحت سلاسل الدبابات ، بل ما إن تحركت اولى المسيرات تطالب بالاصلاح ، حتى رد عليها باكثر مما طلبت ، في دستور جديد يحتاج الى تنزيل محكم ليتفق المضمون مع الممارسة .

لقد صدر مشروع القانون الجنائي ، وتضمن فصلا يبقي على تهمة الاساءة للملك ، ومادام الامر يتعلق بمجرد مشروع فإنه إذا صدقت تصريحات وزير العدل والحريات ولا نعتقدها إلا صادقة ، مادام الامر يهم طلبا صادرا من الملك ، أو بالاحرى إذا صدق الخبر برمته ، فإنه لا يزال هناك وقت طويل لمحو تلك الفصول ، وحتى إن تحول مشروع القانون الى قانون فإن القوانين تعدل وتتمم وتكتمل وتلغى منها فصول ، وتنضاف اليها اخرى ، على ان ما شدني في الخبر ، هو اني قرأته على انه مجازفة من جلالة الملك ، لاطلاق العنان لذوي طول لسان ، من اعداء المغرب في الداخل ، للاساءة الى جلالته ، لكن الذي شدني في الخبر هو ان جلالة الملك ذيل تعليماته بكونه لا يريد خنق حرية التعبير وانه يود حب الناس واحترامهم له وليس خوفهم منه ، ووحدها هذه العبارة إن صدق الخبر تجعل كل مغربي يقف فخورا بملكيته التي تختلف اختلافا جدريا عن باقي الملكيات في العالم العربي على وجه الخصوص ، كيف لا ونحن نقرأ ونشاهد ونسمع ونعاين كيف ان تهم الاساءة الى ” الذات الاميرية او الملكية ” تجر اصحابها الى وراء القضبان عشرات السنين في دول تتبنى النظام الملكي كنمط حكم لها ، فلمجرد تغريدة او تدوينة على احد المواقع الاجتماعية ، يجد المغرد نفسه مثل بلبل في قفص السجن بعقوبة جنائية ، ويكون محظوظا إذا لم تصاحب العقوبة حصصا من الجلد ، بل إننا نقرأ ونسمع ونشاهد ان علاقات بين دول عربية ملكية النظام قد انقطعت لمجرد ان كاتبا او اعلاميا او صحفيا ذكر ملكا او اميرا بغير ما اعتاد ذلك الملك او الامير ان يسمع ،وملكنا ليس مثل ملوكهم ولا امرائهم ، إنه ملك من هذا الشعب وابن هذا الشعب ، يتحدث لغته ويستشعر حاجته وطلباته ، لذلك لا عجب في أن خطب الملك تحولت الى بيانات ثورية ، تتضمن اسئلة جريئة لم نعهد الحكام والملوك على الخصوص يطرحونها ، فأن يعري جلالة الملك مثلا واقع الدارالبيضاء في خطاب افتتاح البرلمان ويحرج المنتخبين والسلطة معا ، ويصف لهم واقعا مزريا لمدينة يخبرها جلالته حيا حيا ، وأن يطرح جلالته في خطاب آخر سؤالا حول مصير الثروة التي يحققها المغرب ، ولماذا لا يستفيذ منها المغاربة بشكل مباشر ، ولماذا هناك ثروة وهناك فقر وهشاشة ؟ وان يأمر الملك المجلس الاقتصادي والاجتماعي في البحث عن حقيقة هذا التناقض بين الثروة والفقر ، ، فهذا لعمري تحول سريع وفعال وحقيقي ، يجعل الملك يعلم مسبقا انه بات ـ وهكذا كان ـ محبوبا من طرف شعبه وهو حب اخلاص ووفاء من مواطن صادق الى ملك صادق ، لا نقول هذا الكلام تزلفا ، لكن للكلام اسباب نزول ، ونحن نعاين كيف يتدخل الملك لحل خلاف بين الحكومة والمعارضة ، مثلما يصلح الاب نزاعا بين ولدين من اولاده ، ولو تركت الامور بين بنكيران من جهة وشباط ولشكة من جهة ثانية ، و وجها لوجه ، لتحول المغرب الى بؤرة للتطاحن والاعتصامات والاعتصامات المضادة ، ولم لا فقد تتشكل ميلشيات لكل فريق ، فشباط مدعوم بلشكر وغيرهم من جوقة المعارضة ، وبنكيران يزهو بالسلطة والنفوذ ولا يترك جمعا يمر دون ان ينفخ على الجمر ، وجلالة الملك ربان هادئ ، كلما بدا له ان فريقا يوشك ان يزيغ بالسفينة كلما تدخل بحكمة ، وما احوجنا الى الحكمة في زمن باتت تحكمه الاهواء ، في عالم بات عربة تجرها خيول مسعورة .

ذلك هو الفرق بين الملكية في المغرب وهي تشكل استثناء ، وبين باقي الملكيات في العالم العربي وهي ملكيات تنحو الى الاستبداد والحكم المطلق . ولذلك لا نكون في خانة المتكبرين اذا قلنا ان ملوكهم يفوقوننا ثروة وجاها ، لكن ملكنا يفوقهم صدقا وحكمة ، وشعوبهم تفوقنا ترفا لكننا نفوقهم أمنا وحرية ، فهم يعيشون الحياة طولا وعرضا ونحن نتلذذ بما طاب من الحياة ، فالحياة ليست جديرة بان يحياها من لا يفرق بين ملك وإلاه ، والحياة لا طعم لها إذا لم يشعر فيها المواطن ان كل القوانين والنظم والدساتير توضع لخدمته ورفاهيته ، وإذا لم يشعر الحاكم أنه خادم أمين للدولة وللشعب ، أما أولئك الذين يعتقدون أنهم يحمون عروشهم بصفقات الاسلحة ، وبأفواج الخريجين من المدارس العسكرية ، فهم واهمون ، لان العروش هي للشعوب ، والشعوب تعين من يتربع على العروش بالحب والصدق ، والمتربعون على العروش يردون الحب حبا ، والاخلاص اخلاصا ، فهنيئا لنا بملكنا ، وهنيئا لنا بثورتنا ، التي نجني ثمارها بدون اراقة دماء بعضنا البعض ، ونحن نعاين كيف ان دولا تمزقها الخلافات ، بل ان دولا باتت مجرد ذكرى دول ، صارت اطلالا وبقايا دول ، في الوقت الذي نسير فيه نحن في هذا الوطن الحبيب بخطى حثيثة نحو الديمقراطية ، صحيح انه ما زال هناك عمل كثير ينتظرنا ، لكن صحيح ايضا اننا انجزنا عملا كبيرا وكثيرا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى