قضايا ومحاكم

هذه هي حقيقة الخدوش والرضوض التي تكلم عنها دفاع الزفزافي

زعم أحد ممثلي هيئة الدفاع أن ناصر الزفزافي ومن معه تعرضوا للعنف والتعذيب أثناء إجراءات البحث التمهيدي، في إشارة الى فترة الإيداع تحت الحراسة النظرية بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهو الخبر الذي هوى كقطعة ثلج باردة على صدر مجموعة من الأوساط، التي اعتبرته فرصة سانحة لإعادة إشهار ورقة التعذيب في مواجهة الدولة المغربية، وذلك بعدما اعتقد الجميع بأن بلادنا قطعت نهائيا مع التعذيب الممنهج خلال فترات التحقيق والاستنطاقات.

وبالرغم من أن هذا الصوت كان فريدا ويشكل استثناءا من القاعدة العامة، والشاذ أو النادر- كما هو معلوم- لا حكم له فقها وقانونا، إلا أن تلك التصريحات خلفت سجالا حقوقيا واستأثرت باهتمام النقاش العمومي حتى في ظل التصويب الذي حرص على تقديمه عدد كبير من أصحاب البذلة السوداء، الذين زاروا المشتبه فيهم وأكدوا أنهم في وضعية صحية ونفسية عادية، ولَم يخضعوا لأي ضرب من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة من الكرامة.

في البداية، ومن زاوية النظر القانونية، يؤاخذ على ممثل الدفاع المصرح خرقه لمقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية التي تحظر على المحامي إخبار أيا كان بما راج بينه وبين موكله خلال مدة الاتصال، وذلك إلى حين انتهاء فترة الحراسة النظرية.

فالمشرع عندما أقر ضمانة الاتصال لفائدة الشخص المودع تحت الحراسة النظرية مع محاميه، كان يهدف الى توطيد ضمانات المحاكمة العادلة وتدعيم السياج الحقوقي كحائل ضد التعسف والتجاوز، وعندما نص أيضا على عدم تسريب نتائج الاتصال وما يتفرع عنه من معاينات ومناقشات كان يسعى، أي المشرع، إلى ضمان سرية البحث لئلا يتم طمس معالم القضية أو تعسير مسارات البحث، أو كشف جوانب مهمة في التحقيق.

هذا الكلام لا يعني السكوت أو القبول بالتعذيب المحظور قانونا، وطنيا ودوليا، وإنما هو دفاع عن إرادة المشرع، وانتصار لمقتضى قانوني، خاصة وأن التصريحات المدلى بها لا تعدوا أن تكون مجرد معاينات ومزاعم لم يتم تأكيدها قانونا وقضائيا. كما أنها سابقة لأوانها وفيها تسرع غير مبرر من جانب المصرح، لاسيما وأنه يدرك جيدا أن جميع المعاينات على جسم الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية تكون دائما محل أسئلة في محضر استجواب الشخص المعني، والذي يفترض أن يجيب عنها ويذيلها بتوقيعه الشخصي، كما أنها تكون دوما موضوع معاينة دقيقة وجرد واضح في محضر التوقيف! إذن فقد كان حريا بصاحب هذه التصريحات التريت إلى حين انتهاء مدة الحراسة النظرية أولا، والى حين التوصل بنسخة من المحضر لمعرفة أسباب تلك الكدمات والرضوض ثانيا.

أما من الجانب التقني، فإن المعاينات التي تم استعراضها لم تميز بين ما إذا كان الأمر يتعلق بآثار عنف أم أثار مقاومة! عمليا المشاهدات والمعاينات تكون واحدة وتتخذ شكل جروح أو رضوض أو كدمات أو تقرحات… لكن النتائج والآثار تتباين وتختلف بين الأولى والثانية! فعلامات العنف معناها توافر العمد في ايذاء الضحية والتنكيل به، وهذا معناه توفر القصد الجنائي الذي يقوم معه الوصف القانوني لجريمة العنف التي يرتكبها الموظف العمومي بمناسبة مزاولته لمهامه، أو جريمة التعذيب إذا كان الغرض من العنف تحصيل إفادة الشخص عن فعل ارتكبه أو ارتكبه الغير…الخ.

أما آثار المقاومة، والتي تتخذ نفس العلامات والشكل، فتعني عمليا وقانونيا، كما هو الحال في قضية الزفزافي ومن معه، أنها ناتجة عن شخص قاوم التدخل الأمني وأبدى عدم امتثال للسلطات العامة، وهذه مسألة أخرى ترتب آثارا معاكسة ومناقضة للأولى.

ولعل ما يعزز ويعضد بأن المعاينات التي تحدث عنها المحامي المذكور هي آثار وعلامات المقاومة وليس العنف، أن ناصر الزفزافي عندما قرر الفرار والامتناع عن تسليم نفسه طواعية، إنما تخلى عن السلمية ودخل في خانة الأشخاص الفارين والمطلوبين للعدالة، وبالتالي فإن ملاحقته تحتمل الركون حتما إلى الاستعمال المشروع للقوة التي يخولها القانون لموظفي تطبيق القانون.

أكثر من ذلك، فإن فرار الزفزافي بمعية مجموعة من الأشخاص، مع ما تردد عنهم إعلاميا بأنهم حراس شخصيين وأبطال في رياضات فنون الحرب، زاد من احتمال المواجهة خلال عمليات التوقيف، خصوصا بعدما تداولت بعض الأوساط أن الأشخاص الفارين كانوا بصدد التحضير لعملية فرار خارج المغرب بمساعدة شبكات الإجرام المنظم.

لكن التأكيد القطعي لطبيعة ومصدر الإصابات والمعاينات التي تحدث عنها ممثل الدفاع، والجواب حول ما إذا كانت ناتجة عن المقاومة أو التعنيف، يبقى رهينا، من الناحية التقنية، بالخبرة الطبية التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على المشتبه فيهم الموقوفين في إطار هذه القضية. فالخبرة هي التي ستجيب عن سؤال محوري، وهو تاريخ ارتكاب أو وقوع تلك الإصابات؟

مصدر قريب من الأبحاث والتحقيقات، أكد أن الخبرة الطبية المنجزة على ناصر الزفزافي أكدت أن تاريخ الإصابات البسيطة التي يحملها يعود الى تاريخ سابق للوضع تحت الحراسة النظرية، وتحديدا إلى حوالي أسبوع، وهو ما يصادف تاريخ التوقيف في 29 ماي المنصرم. وهذه النتيجة ليس لها سوى معنى واحد وهو أن تلك الخدوش والرضوض هي علامات مقاومة ولست عنفا.

نفس المصدر، أكد بأن المحققين طرحوا عدة أسئلة مباشرة على ناصر الزفزافي بخصوص هذا الموضوع، خصوصا طبيعة تلك الإصابات وتاريخها. فهذه الأسئلة وغيرها، تم توثيقها في محاضر قانونية من أجل عرضها على القضاء للبت فيها، ذلك أن السلطات الأمنية والقضائية لا يمكنها إغفال مثل هذه الإجراءات المسطرية المهمة، كما أنها لن تقبل أو تتسامح مع أي عنف أو شطط خلال إجراءات البحث، لأن تلك حقبة قد ولت إلى غير رجعة بالمغرب.

وخلص ذات المصدر، بأن قوات الشرطة عندما تدخلت لتوقيف ناصر ومن معه، صبيحة الاثنين 29 ماي المنصرم، واجهت مقاومة عنيفة واصطدم تدخلها المشروع مع ردة فعل غير مشروعة، وهو ما افضى الى استخدام القوة لتحييد الخطر وتوقيف أشخاص كانوا في خلاف مع القانون.

المعطى اللافت في خضم هذا البوليميك الذي ترشح به صفحات الفايسبوك، ومواقع التواصل الاجتماعي، هو تلك السلطوية التي يحاول البعض ممارستها في الرأي، والتي باتت تزحف بسرعة، حيث أضحى الكل يدعي المعرفة والحقيقة واليقين … خاصة اذا كان واقفا أو مصطفا في الجانب المناقض للسلطة … أيا كانت هذه السلطة! المهم التمظهر بمظهر المناضل الشعبي الذي يواجه الدولة … حتى ولو كان مقتنعا بأنه غير صادق أو يجانبه الصواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى