الرأي

الحاج ترامب : رسول سلام أم تاجر أوهام

شد الرئيس الأمريكي الرحال إلى بلاد الحرمين الشريفين ، ومن هناك أفصح الرجل عن مفهومه للإسلام الذي يريد له الانتشار بين الناس ، وهو إسلام معتدل بلا أنياب ولا كرامة ، إسلام التفريط في الشرف والأرض و التاريخ ، إسلام بلا فرائض وبلا روح ، وكأني به يؤسس ل”المذهب الدونالدي الترامبي” ، وتحدث عن السلام والسلم العالميين ، واعتبر كلا من حزب الله وحماس ومعهما كل من داعش والقاعدة هم منظمات إرهابية ، لا فرق لديه بين من تأسس ليقاوم الاحتلال ، وبين من أنشأته أمريكا لتزرع به الرعب في العالم ، وتبرر به غزوها للدول ، وتُبقي به مؤشر بيع السلاح في أقصى درجاته .

الرئيس ترامب ماهر في عالم جمع الأموال، لكن سوابقه في السياسة منعدمة رغم تقدم سنه ، وما أرسله الرجل الكهل من رسائل وقرارات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن عربة دولة جورج واشنطن يجرها هذه المرة ومن جديد حصان مسعور هائج ، من بناء حائط على الحدود مع المكسيك ، ومنع المسلمين من دخول أمريكا ، وقصف دول بقنابل وطائرات ، كل ذلك يكشف أن نزوات “الشيخ ترامب” لا حدود لها ، لكن الشعب الأمريكي هو من اختار ترامب في واحدة من أعرق الديمقراطيات العالمية ، التي تقوم على أنقاض حضارة الهنود الحمر ، وبسواعد السود الأفارقة ، وبجشع وطمع الأنجليز والإسبان و الفرنسيين والأيطاليين والبرتغاليين ، وكان لا بد من نجاح المسن ترامب بحماقاته على أن تنجح هيلاري كلينتون ، لأنها إمراة ، والشعب الأمريكي لا يمكن ان تحكمه امرأة ، فهو لم يصدق بعد أنه تخلص من رئيس أسود .

عندما يتحدث ترامب عن أن حزب الله وحماس من أهل الإرهاب ، فهذا ليس بحديثه بل هو حديث رواه عن نتانياهو عن الموساد عن اللوبي الصهيوني ، وعندما يضع ترامب حركة المقاومة حماس في سلة واحدة مع داعش والقاعدة ، فقد صار ناطقا رسميا باسم الحكومة الصهيونية ، فهو اختار أن يعرج على قبيلة العرب لينتزع منهم ما يزفه لإسرائيل في اليوم الموالي لزيارته ، والسيد ترامب وبحكم شغفه باكتناز المال بكل الطرق ، لم يسعفه الوقت في قراءة تاريخ أمريكا ، عندما كانت شيعا تمزقها الحروب الأهلية ، وكيف قاوم الشعب وناضل لتوحيد دولة العم سام ، لذلك لا عجب أن ينزل الرجل ضيفا عند مضيفيه معززا كرها وجبرا خوفا من رعونته ، ولا عجب أن يثني على عبد الفتاح السيسي الذي وضع كل معارضيه خلف القضبان ، وشرع قانونا يحصي أنفاس المصريين ، وجيش جوقة من أشباه الصحافيين لنهش لحم كل من بقيت في عروقه قطرة من الشهامة ، وليبرر “المعلم ترامب” تخاريفه تلك ، يوصي العرب بشحذ الهمم خلفه لأجل الاتحاد ضد الغزو الإيراني المرتقب .

مسكينة أمريكا ، ثكلت نساؤها على أن تنجبن رئيسا حكيما ، مسكينة أمريكا يتناوب عليها رؤساء من أهل النزق والطيش ، ممن تستهويهم لعبة استعراض العضلات ، ورياضة الدوس على ما تبقى من هيبة وإنسانية أقرانهم الرؤساء والملوك العرب ، فالتاريخ لم يصدق أفول نجم البوشين الأب والإبن ، وما جنياه على العالم من حروب وويلات ، ليظهر رئيس جديد ب”لوك” جديد ، من حيث القفز والتنطع ، وهو يخفي تجاعيده بكل أنواع المساحيق الممسوخة ، ومساكين هم الملوك والرؤساء العرب الذين التفوا حول “الخليفة ترامب” ، فهم يصرون على أن يكتبوا أسمائهم في سلة مهملات التاريخ ، عندما ترتجف قلوبهم فرحا بمصافحة رئيس كبير في السن والرعونة دون العقل والتبصر .

للأسف الشديد يواصل العالم إنجاب هذا الصنف من الرؤساء ، رؤساء أثرياء مالا ، فقراء قيما ، ألفوا الربح من كل أنواع الصفقات ، سواء في البورنوغرافية أم في قاعات القمار ، وللأسف الشديد يواصل أمثال هؤلاء التسيد على أشباه رؤساء من بلاد العربان ، ممن يكسبون شرعيتهم من التملق لترامب ، وليس من صناديق الاقتراع .

سينشئ التاجر ترامب حلفه على قيم الترهيب والتخويف ، وسيقدم لهم صفقات السلاح الأمريكي كدواء لداء الرعب المزعوم من التوسع الإيراني الوهمي ، وسيبيع لهم خردة من السلاح الأمريكي البالي ، وسيدفع آل العرب إلى تمويل حروبه ومشاريعه ، ثم سيسري بالعرب ليلا إلى المسجد الأقصى ليقدموا الولاء للسيد ناتانياهو ، وستصبح إسرائيل في عهد ترامب عضوا في جامعة الدول العربية أو العبرية ، وستذهب صناديق الاقتراع بالسيد ترامب ، ويبقى العرب يعدون الخسائر ، ورحم من قال “البيع والشرا شطارة” ، ومن قال “الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري ” ، ما لم يكن الشاري غافلا بالفطرة ، فيشتري الأوهام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى