الرأي

حراك الريف و 20 فبراير والمحكمة

ما هي الحجج الدامغة التي قدمها السيد وزير الداخلية لأعضاء الأغلبية الحكومية ، وأقنعهم بها أن حراك الريف “ليس بريئا” ، وأنه ليس بمطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية ، وأنه مدعوم من جهات معادية للمغرب ؟ ، هل هناك أدلة فعلا ؟ ، وكيف سارع حد التسرع أعضاء الأغلبية الحكومية إلى رشق الحراك بعبارات صادمة ؟ علما أن السادة الوزراء لم يتحققوا من حقيقة تلك الأدلة التي تدعي الداخلية توفرها عليها من جهة ، ولم يتم الإستماع إلى المحتجين وعرض تلك البراهين عليهم ، فعهدي بالانفصالي هو كائن يتباهى بانفصاله ، ولا يجد فيه مدعاة للخجل منه ، ويستغل كل منسبة للإفصاح عنه ، وقد حضرت محاكمات لعدد من انفصاليي الداخل من ساكنة أقاليمنا الصحراوية يتزعمهم المدعو التامك وأميناتو حيدرا وآخرون ، وعاينت كيف أنهم لا يفوتون الفرصة دون أن يعربوا ويعلنوا عن انفصالهم ، وهم لا يرون في انفصالهم سبة أو قدحا بل يرونه عمال بطوليا ، لذلك فإن إصرار أهل الريف بأن حركهم سلمي واجتماعي واقتصادي تحت مظلة الوطن الواحد ، وحده كاف لدحض براهين الداخلية .

وفي الدول التي يمكن ان تشكل التميز والاستثناء فعلا ، ولها دستور يشاع أنه متقدم عربيا وإفريقيا و إسلاميا ، وجب على الدولة في شخص رئيس الحكومة أن تعد ما استطاعت إعداده من الأدلة والحجج والبراهين المثبتة لانحراف الحراك وميله إلى المس بالوحدة الوطنية ، وتواطئه مع جهات خارجية ، و أن ترفع دعوى أمام المحكمة من أجل الحكم بإخلاء الشوارع ورفع مظاهر العرقلة ، والامتثال لروح القانون ، ويكون على المحكمة أن تستدعي أهل الحراك في شخص من انتدبوه لتمثيلهم ، فيجيبون على دعوى الدولة ضدهم ، ويعقبون على تهمة الانفصال ، ويعززون أسباب حراكهم بصور الخصاص الذي يطال منطقتهم ، من هشاشة وفقر وأمية وعزلة وتهميش ، ويكون على المحكمة وطبعا لا نعتقدها إلا منصفة ومستقلة ومؤهلة ، دراسة دعوى الطرف المدعي وتعقيب الطرف المدعى عليه ، ثم تختلي للمداولة ، وتصدر حكما قضائيا ، يقضي بفك الحراك بالقوة إن ثبت لها أن الملف المطلبي يحمل جينات تهديد الوحدة التربية ، أو تقضي برفض الدعوى إذا تبين لها أن دواعي الحراك مشروعة ، وأن الاحتجاجات تسير وفق القانون و الدستور ، هذه هي دولة الحق والقانون في أرقى تجلياتها .

أما أن يفشل مسؤول في وزارة الداخلية في الوصول مع المحتجين في الريف المغربي العزيز إلى نتائج توقف الاحتجاج ، بسبب ضعف قدراته التفاوضية والتواصلية ، فيحاول تبرير فشله في تدبير لقاءاته مع المحتجين بأنهم قوم راغبون في الانفصال عن الوطن الأم ، وأنهم قوم يتلقون دعما من جهات معادية للمغرب ، وأنهم …وأنهم …، ويقوم رئيسه بجمع ممثلين عن أحزاب الأغلبية وكأنه ليس مجرد وزير ، بل وكأنه رئيس الحكومة عينها ، ويتلو عليهم تقريرا ، ويخرج هؤلاء السياسيون بتصريحات تسيء لهم كسياسيين فاشلين في حل ملف مطلبي لساكنة هي وأهلها جزء من مغربنا الحبيب ، لا يجيدون سوى رمي الأحجار في البرك الراكدة .

وأنا أطالع جديد حراك الريف بتداعياته ، أستحضر يوم 19 فبراير 2011 وكان يوم السبت عندما تم الإعلان عن تحديد اليوم الموالي والذي هو يوم الأحد 20 فبراير موعدا لخروج حراك وطني في عز الربيع العربي ، كنت في اجتماع يومها ، وقد حضر ذلك الإجتماع أمين عام حزب من الأحزاب من الأغلبية اليوم ، تدخل المسؤول الحزبي يومها وكال للحراك الموعود كيلا من التهم والسباب والتهم ن نصح الشباب الحاضر يومها بعدم المشاركة فيه ، وقد كان لي شرف التدخل للرد عليه ، والقول له إن نظرية تخوين المحتجين ، ورميهم بأوصاف قدحية ، هي المانع الحقيقي من التقدم ، فلنرى مطالبهم ونحكم ، أما القول بأنهم مدعومون من طرف هذا أو ذاك ، وأنهم …وأنهم ….فهذا السلوك لا ينهجه سوى المستبد الطاغية الذي يرفض الاستجابة لمطالب شعبية مشروعة .

وفعلا خرجت حركة 20 فبراير ، وللإشارة كنت ضد عدد كبير من شعاراتها ، ولهذا لم أخرج معها بل خرجت ضدها ، والتاريخ شاهد على أني كنت على صواب ، عندما كنت اطالب بالتشبث بالملكية كنظام سياسي هو الأصلح للمغرب ، ليس طمعا في الأتاوات أو العطايا ، بل حبا في وطن تعيش حساسياته السياسية تناقضا وتضادا تاريخيا ، مع حقد إيديولوجي وعرقي نجم عنه نفور وضغينة ، تغذيهم الأمية والفقر والجهل ، لذلك كنت مع حركة 20 فبراير في الإصلاح ، لكن تحت مظلة الملكية .

المجد لكل مواطن خرج إلى الشارع يطالب بحق كان يفترض أن يصل إليه دون عناء ، والمجد لكل مواطنة عطشت وجاعت وتعبت وهي تصيح في مسيرة تطالب فيها بإطلاق سراح حقوقها وفك قيودها لتصل إليها ، وبئس مسؤولون لا تنال معهم حقا من حقوقك إلا بعد أن يرهقك الصياح والتشكي والصدح بالشعارات ، وعاش كل بيت فيه لافتة وعلم وطني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى