أثارني ذلك الخطاب البليد الصادر عن مسؤول في مديرية التجهيز بابن سليمان ، وهو ينصت الى هموم ومعاناة ساكنة مع حصار يتجدد عليها مع كل فصل شتاء ، وتظل تلك الساكنة خلف التاريخ وخلف العالم الى ان تظهر شمس أبريل ، ذلك المسؤول الغبي الذي لا علم له بالرسالة الملكية التي لسعت الإدارة المغربية من تحت الإبط ، وبعد أن استمع الى مطالب الساكنة ، ونادى على مساعد له يفوقه غباء وبلادة ، وبعد أن تمتما الإثنان لبعضهما بعبارات تقنية هي عبارة عن حروف مختصرة لكلمات تقنية طويلة ، استجمع المسؤول أنفاسه ليخبر مخاطبه ، بأن ما يطالب به السكان من إصلاح لطريق يربطهم مع العالم ، وبناء قنطرة يعبر فوقها الصغار الى مدرستهم والكبار الى مآربهم ، لا يدخل ضمن اختصاص مديريته ، وأن المشروع من اختصاص الجماعة القروية للزيايدة ، تلك الجماعة القروية الفقيرة التي لا تملك حتى جرارا أو جرافة ، وبالكاد تملك خيمة تنصبها في المآتم للتسويق الانتخابي.
وتناسى صاحبنا المسؤول في مديرية التجهيز ، أن مديريته هي من استهل عملية اصلاح الطريق ، وأن مهندسوه الذين لا يهندسون سوى للغش هم من اشرف على المشروع ، وتناسى المسؤول أن مديرة التجهيز التي كانت على رأس المديرية من قبل ، سبق وان استقبلت ممثلين عن الساكنة وطمأنتهم بقرب الفرج ، ببناء قنطرة بمعايير علمية وتقنية لتصحيح خطيئة قنطرة انهارت قبل أن يكتمل بناؤها ، فجاء هذا المسؤول ليتناول الكلمة ، ويشرع في الدفاع عن مشاريع فاشلة مغشوشة ، لا تزال هياكلها غارقة في واد النفيفيخ ، وقال معالي المسؤول بأن العيب ليس في القنطرة المنهارة .
بل العيب في الوادي الذي غير اتجاهه عن القنطرة ، وأن العيب ليس في ترقيع الطريق الرئيسية بل هو في التضاريس المحيطة بالطريق ، وحاول المسؤول ان يرمي بالتهمة واللوم والعتاب على النهر والتضاريس والمطر والناس ، فهؤلاء بحسبه هم سبب الحصار ، فالنهر قوي الفيضان ، والتضاريس كلها شعاب وجداول تجري بسرعة وقوة مع موسم الأمطار ، والناس ينقصهم الصبر والتحمل .
كان مشهد المسؤول يثير الشفقة وهو يحاول إبعاد تهمة الغش والتلاعب في الصفقات ، وابتلاع الأغلفة المالية للمشاريع ، وتزوير جلسات فتح الاظرفة ، والتواطؤ مع المقاولين لاجل اقتسام ريع المشاريع ، بين مقاول غشاش ومراقب “داير عين ميكا” ، كان المسؤول يريد ان يفهمنا أن الخطأ هو في النهر الذي لا يعرف كيف يدبر شأن فيضانه ، ولا يقوى على التحكم في سيلان سيوله ، كان يريد ان “يغمق علينا ” بأن العيب هو في التربة التي تنصاع للانجراف فتنجرف لتغزو الطريق وتستعمرها ، كان يريد ان يقول لنا بأن العلاج الأنجع لكل مطالبنا هو أن نتناول جرعات اضافية من الصبر والتحمل ، موجها انتقاده لهذا الجيل الذي لا يقوى على الصبر ، هذا هو خطاب مسؤول في مديرية التجهيز بابن سليمان ، زاره ممثل لساكنة تعيش حصارا كل فصل شتاء ، يستنجدون به وبمعدات مديريته ، بأن يمكن التلاميذ من الوصول الى المدرسة والموتى الى مقبرة ببناء قنطرة وشق وإصلاح طريق أكلها الإهمال ، طالب منهم معالي المسؤول أن يصبروا ويتحملوا ، ولفت انتباههم ال أن موسم الامطار في المغرب بات قصيرا وذكرهم بأنه احيان كثيرة لا تمطر السماء ، وكأنه يقول لهم هنيئا لكم بموسم الجفاف .
هذا هو الموظف المسؤول في مديرية التجهيز بان سليمان ، مسؤول عن الطرقات والقناطر ، هاهو يتحول الى واعظ زاهد والى نبي مرسل يوصي قومه بالصبر والجلد للتغلب على الحصار ، حتى يبقى معاليه “يسرق” راتبا شهريا سمينا ولكنه غير حلال ، هذا هو الموظف المسؤول بعد خطاب جلالة الملك حول معاناة المواطنين مع الادارة المغربية التي يحتلها عدد كبير من أمثال هذا المسؤول الكسول ، ” الحاصول الله يعطينا شوية من وجه هذا المسؤول نخلقو بيه التوازن ” .