“مدرستي الحلوة” التي أخرجت أنيابها في وجهي

0

•محمد الشمسي

لم أكن أعلم أن مدرستي التي أحبها وأعتبرها أمي الثانية، يمكن أن يصدر عنها ومنها كل هذا القبح، وأكتشف أني لا أساوي في أجندتها سوى عددا أو رقما مختزلا في واجب شهري يسدده أبي أو أمي، فحين سمعت أمي تتحدث في هاتفها إلى “مدام زهرة” وهي مديرة مدرستنا، ظننت مديرتي تسأل عن أحوالي في الحجر الصحي، لكن الخطاب بين الطرفين اضطرب واختلط، وكانت أمي تحاول إقناع مديرتي أني لم أذهب للمدرسة طيلة شهرين متتالين، وأن المدرسة لم تستقبلني ولم تعلمني، وأن المطالبة بالواجب الشهري عن هذه المدة ليس لها سند، أمسكت في طرف ثوب أمي أتنصت على صوت مديرتي التي اشتقت إليها وهي تقف بمدخل المدرسة كل صباح توزع ابتسامتها علينا، كم كنا مغفلين حين توهمنا أن مدام زهرة تحبنا كأبنائها، الآن أدركت أنها كانت تبتهج لكثرتنا التي ستضخ لها مالا لُبَدا، ولأن أمي محامية فقد حدثتها بلغتها القانونية ، فقالت لها أن هناك عقد بينهما، وفي العقد شروط تلزم الطرفين، والعقد يقوم على مبدأ”الدراسة مقابل الأداء”، والدراسة تكون في قلب المدرسة، وليس على شاشة هاتف، وفي جوف الحجرة الدراسية وليس من فراش البيت، وبحضرة الأستاذة وليس بالاكتفاء ب”الويفي”، لكن المديرة أجابت أني أتلقى تعليمي عن بعد كل يوم وانتهى الكلام، وأن العقد لا يشترط أن يكون التعليم عن بعد أو عن قرب، وهو ما اعترضت عليه أمي مؤكدة أن المديرة حصلت على رخصة لمدرستها بناء على ملف يتكون من تصميم لبناية ورخصة بمساحة ومواصفات، وليس بناء على حاسوب وتغطية الانترنت، وأنها سجلتني في مدرسة وليس في “سيبير”، حتى أكتفي بتعليم عبر رسائل “الواتساب”، وختمت أمي أن المدرسة لم تعرض عليها مقترح هذا الصنف من التعليم لتقبل به فيلزمها الأداء أو ترفضه فتتحمل المدرسة مسؤوليتها، كانت نبرة مديرتي حادة على غير عادتها، تتحدث عن الجائحة وعن الإفلاس وعن المصيبة وعن الخسارة وعن الأقساط البنكية وعن أجور الأساتذة والأستاذات وعن…وعن….، كان كلامها شبيها بكلام جارنا “مول الحانوت” الذي أدمن الشكوى على مسامع أبي كلما رافقته، تشبثت أمي بموقفها الرافض لكل أداء لأي شهر من أشهر الحجر الصحي، وطلبت من المديرة أن تسعى إلى تدبير أزمتها بعيدا عن جيوب الآباء والأمهات، وأن تقدم طلب الدعم للجهة المكلفة بذلك، أو تقاضي وزارة التربية الوطنية التي قررت توقيف الدراسة، وزادت أمي أنها لن تسجلني في مدرستها السنة المقبلة، لكن المديرة هددت أمي بحرمانها من شهادة المغادرة إذا رغبت في نقلي، لتؤكد أمي أن المحكمة ستفصل بينهما، واقترب الأمر أن يصل إلى ما يشبه خصام جارنا مع زوجته كل ليلة سبت.
أنهت أمي المكالمة غاضبة حانقة، حاولت الدفاع عن مدرستي ومديرتي، لكن أمي أفهمتني أن المدرسة تريد الواجبات الشهرية على الأشهر التي لم أذهب فيها للمدرسة، وأن القانون لا يعطي للمديرة الحق في مطالبتنا بشيء، أو تهديدها بمنعنا من أي وثيقة تهمني، وأنها قد ترفع قضية تعويض ضد المدرسة، جراء عدم تدريسي كل المدة الواردة في العقد و عدم إتمامي العام الدراسي بدروسه ومقرراته، لم أصدق أن تكشر “مدرستي الحلوة” عن أنيابها في وجهي وتعترض سبيل أسرتي لتختلس رزقنا، لم أصدق أن المكان الذي حفظت فيه القرآن الكريم وتعلمت فيه الآداب العامة وقيم الصدق والكرامة والمواطنة ينبعث منه جشع وطمع وخداع ولَيِّ ذراع، هززت كتفي وقلت لأمي:” وهل صنعنا كورونا في مطبخنا وسلطناه على المدرسة؟، نحن أيضا ضحايا الفيروس فمن يدفع لنا ؟”.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.