الرأي

“نجية نظير” امرأة وطنية معطاءة بألف حزب وألف حكومة….

محمد الشمسي

فعلتها ” المغربية الحرة نجية نظير” ، حين قدمت درسا عميقا وبليغا لعدد كبير من البورجوازيين الأنانيين وغير الوطنيين ، سواء السياسيين منهم الذين يمصون ضرع الدولة بمساعداتها لأحزابهم ، أو البعض من البورجوازيين غير السياسيين الذين يستنزفون عرق جبين أجرائهم ، ويراوغون إدارة ضرائبهم ، ليطعمون كلاب حراستهم ، ويسقون حدائق قصورهم ، ويعلمون صغارهم في مدارس بعثات أجنبية ، ويجمعون الجنسيات مثنى وثلاثا ، فعلتها “سيدة الشاوية” ، حين منحت مبلغ مليار و 200 مليون، من مالها وقوت أولادها ، لصالح أبناء وطنها وقبيلتها ، ممن تعتبرهم امتدادا لأسرتها ، وهنا تكمن البطولة والشهامة والكرم والعطاء ، سيدة وسط الرجال تقرر بناء مؤسسة تعليمية وأي مؤسسة ؟ ، على مساحة تفوق الهكتار ، مع مرافقها وداخليتها وتجهيزاتها ، و تقرر ترميم مدرسة ثانية ، ولم تفكر في بناء مدرسة خاصة لحلب جيوب المواطنين .

يساءل هذا العمل الوطني الراقي والنبيل ، لهذه السيدة الوطنية الفاضلة ، يساءل مقدار وكمية وحجم ومنسوب الوطنية لدى باقي الكثير من بورجوازيينا ، وما إذا كان في دواخلهم ذرة من وطنية ، حتى تعلم كل بورجوازية ما قدمت وما أخرت لهذا الوطن الحبيب ، حتى أنه ينسب لوفد من رجال الأعمال من ألمانيا زار المغرب للاستثمار فيه ولقاء رجال أعمال مغاربة ، وعلق الوفد على ذلك بالقول ” لا خير في بورجوازيين مساكنهم أكبر عشرات المرات من مقرات شركاتهم ” ، أين هو البورجوازي السياسي الذي جمع مالا وعدده ، ويحسب أن بماله سيملأ صناديق الاقتراع من صوت و جوع وفقر أهل الحاجة ؟ ، أين وسائل الإعلام التي حق عليها أن تتهافت على استجواب هذه السيدة العظيمة ، ليس مَنّا ولا رياء ، بل لتكون أسوة حسنة لغيرها من ذوي المال والقدرة ، فهذه السيدة تستحق منا جميعا الدعاء لها كما تمنت هي ، أم أن وسائل الإعلام غارقة في ترصد عيوب الناس ، وتصيد السفاسف والحقارات ، لخلق “بوز” حقير يسيء لنا ولصحافتنا ، ويقودها ويقود الكثير منا خلفها نحو منحدر السخافة ؟ .
من حق السيدة نجية أن تظهر للعلن وتتحدث برأس مرفوعة ، فقد سئمنا من ظهور “البانضية” ووجوه ” الويل” ، فهي مثال للمرأة العاشقة لوطنها ، وهاهي تفديه بمالها و أي مال ، و هاهي تغلق بدل السجن سجونا ، أليس من فتح مدرسة أغلق سجنا ؟ ، وتنشئ أجيالا من الشابات والشبان متعلمون سيكون فيهم خير كبير وكثير ، لأنفسهم ولوطنهم .
شدني تصريح تلك السيدة لإحدى وسائل الإعلام ، بتفاؤل مرسوم على محياها ، ينم عن سعادتها في مساهمتها في هذا العمل الوطني الجبار بما يعكس معدنها الأصيل ، وعن سؤال لماذا بناء مؤسسة تعليمية وليس بناء مسجد كما جرت العادة ؟ ، أجابت السيدة نجية أن الإنسان يمكنه عبادة ربه في أي مكان ، لكن التعليم لا يحقق مبتغاه إلا في فضاء آمن ومجهز وفعال ، ثم إنه لا جدوى من المساجد ما لم تغذيها المؤسسات التعليمية بعباد يعبدون الله حق عبادته ، حتى تتحقق خلافة الله في الأرض، وتحدثت السيدة نجية بلسان شاهد على الواقع اليومي لأبناء وبنات الفلاحين الفقراء في المنطقة ، وما يعتريهم من موانع وحواجز تعوق مسيرتهم التعليمية ، في مقدمتها بُعد المدرسة عن المسكن ، وقطع كل تلميذ أو تلميذة ما يفوق 200 كيلومتر شهريا ذهابا وإيابا من وإلى مدرسة ، في الظلام و القر والحر ، وتحت المطر وبين الأوحال والوديان ، وكلها عوامل تقود نحو العياء والملل ثم الانسحاب من تعليم لا يكمله إلا مغامر .
خطوة السيدة نجية يجب أن تخرس معها أبواق الساسة الانتهازيين الانتفاعيين ، الذين يستثمرون في الجهل والأمية لتفريخ أجيال فقيرة متخلفة يسهل عليهم سوقها نحو رحبة السياسة وابتزازها ب ” 200 درهم للراس مقابل الصوت الانتخابي” مرة كل خمس سنوات ، بخطاب الكذب والدجل والاحتيال ، خطوة هذه السيدة الكريمة التي زادها الله من فضله هي ما يحتاجه وطن ينزف ويحتضر ، فحالة الوطن لا تستحمل مزيدا من الكلام التافه والبرامج الجوفاء ، التي تطحن المال العام وتهضمه ، وفي نهاية المطاف تنتج برامج عشوائية كما هو حال البرنامج الاستعجالي للنهوض بالتعليم الذي ابتلع القيمون عليه قرابة 4000 مليار ، وكانت حصيلته فضيحة ، وهاهي عناصر الفرقة الوطنية تحقق مع المشتبه فيهم ، حالة الوطن في حاجة إلى مثل إسعافات السيدة نجية ، لتنجيه من توقف الدماغ عن الاشتغال، بالإسراع في البناء والعطاء ، وليس الإكثار من التبجح والتعالي أمام كاميرات وسائل الإعلام من طرف مسئولين جاؤوا لينهبوا وليس ليمنحوا ، مسئولون سياسيون “كبار” في السن والحجم و ” لقوالب ولبلانات” ، ثبت أن البعض منهم خان الأمانة ، حين أوشك الشعب المغربي أن يقسم به ، فاتضح أنه لا يعدو أن يكون بدوره “مصاص دماء “، يربح الملايين بلا مجهود ، ويستنزف أموالا بالباطل ، لعل بناء المدارس وشق الطرقات أولى بها ، لكنه استولى عليها بحجة أنه “سياسي متقاعد” في وطن يعتبر السياسة مهنة ، والحال أنها مجرد هواية لدى العظماء .
تحتاج السيدة نجية إلى نحت تمثال لها ، كسيدة وطنية مقاومة ، تقاوم الجهل وتحارب الأمية ، وتسعى إلى تحرير الوطن من براثن الهذر المدرسي وما يلتصق به من تخلف وفقر، سيدة انتزعت مالا كثيرا من ثروتها وقوت أولادها لتقود به معركة ضد الهشاشة ، ومن أجل حق أجيال الغد في تعليم نافع على الأقل يفك وثاقهم من حبال التفاهة والبلاهة والغباوة والغفلة ، وتحتاج هذه السيدة إلى أن تحمل تلك المؤسسة التعليمية اسمها وصورتها ، بل يطلق اسمها على أول فوج يحصل على شهادة البكالوريا من تلك المؤسسة ، ويحتاج الباقي من الأبواق السياسية أن تكف عن الزعيق حتى لا نقول النهيق ، وأن يتراجعوا خطوة إلى الوراء لتحقيق هروب أبدي من الساحة ، فهذه السيدة لم تشتر من الأجيال أصواتا انتخابية لتصل بها الى قبة البرلمان ، وتضمن “تقاعدا مسموما” من أموال اليتامى والأرامل والمحتاجين، أو إلى رئاسة الحكومة لأجل تسمين الثروة ونفخ الحزب ، وتوزيع الأعلاف على الأتباع ، ولم تخطب في الناس بهتانا لأجل استدراجهم لتصنع لنفسها مجدا مزيفا سيبقى ابنا غير شرعي للتاريخ وللإنسانية ، بل إن هذه السيدة أعطت لوطنها في زمن الجل فيه يأخذ ويحلب ويسرق ، وأحسنت في زمن الجل فيه يشح ويبخل ، وقدمت في وطن الجل فيه يَحصُل ويُحصّل ، ويحوز ويجمع ويكتنز و” كينوعر”.
هنيئا للوطن بابنته نجية ، وهنيئا لنجية بوطنها ، وليس غريبا على المغرب أن ينجب سيدة رفيعة الحظوة والفكر ، فقد أجنب في مستهل القرن الثامن ميلادي السيدة فاطمة الفهرية التي بنت جامعة وجامعا في نفس الوقت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى