ما إن يوجه جلالة الملك انتقادا الى قطاع من القطاعات ، حتى تتذكرها وسائل الإعلام ، وتصبح حديث الألسن ، و حديث افتتاحيات الجرائد ، وميكروطروطوارات الإذاعات ، ولأن جلالة الملك اختار في خطاب الدخول البرلماني توجيه نقد لاذع للإدارة المغربية وما تعرفه من تسيب وغش وكسل ، يؤثر سلبا على المواطنين ويطرد كرها المستثمرين ، ويخلق علنا جوا مشحونا ومتوترا بين الادارة من جهة وابناء الشعب من جهة ثانية ، فقد شحذت الاقلام والألسن ، وتحول الكل الى محلل ، وآخر الى شاهد وثالث الى ضحية أو صاحب مغامرة مع الادارة .
وكما سبق لجلالة الملك وان انتقد أوضاع الدار البيضاء وما تعانيه المدينة الكبيرة حجما وهما من إهمال ، وما أسفر عنه ذلك الخطاب من صعقة في أعصاب المسؤولين ، وتحركات منهم لإنقاذ المدينة العملاقة من مشاكلها العملاقة ايضا ، فإن حديث صاحب الجلالة عن الادارة لن يمر مرور الكرام ، بل لا بد وان هناك خطة بديلة تم اعدادها سلفا ، فصاحب الجلالة لم ينتقد الادارة المغربية إلا بناء على معطيات توفرت لديه ، وصاحب الجلالة لن يكتفي بتشخيص المرض قبل أن يعد الدواء ، لذلك فإن أعطاب الادارة المغربية مزمنة ، وتنقسم هذه الاعطاب الى أقسام وشعب ، أعطاب في ذهن وفكر بعض المسؤولين والموظفين ، الذين يرون في الادارة مكانا آمنا في الاختباء خلف باب موصد ، وقتل الوقت الاداري في حل شبكات الكلمات المسهمة أو إجراء مكالمات غرامية او عائلية على من هاتف المصلحة ، وهذا النوع متخصص في تصدير خلق الله الى اليوم او الاسبوع الموالي ، وهذا النوع لا يتحرك من كرسيه الا وهو يرمق اوراقا نقدية توضع في يده خلسة ، وأعطاب في مدى تكوين الموظفين وقابليتهم لمخاطبة خلق الله والاستماع اليهم وقضاء حوائجهم او ارشادهم الارشاد الصحيح ، وزد على ذلك ضعف الامكانيات لدى الادارة فهناك ادارات لا تتوفر حتى على آلة فوطوكوبي وإن توفرت الآلة لا تتوفر الاوراق البيضاء او ينقضي الطونير ، ثم هناك ادارات لا تزال سقوفها تقطر مع كل زخة مطرية واخرى لا تتوفر حتى على مراحيض وثالثة تقع معزولة عن وسائل النقل لا يصل اليها الا اصحاب السيارات وباقي المواطنين يخوضون سباقا على الطريق مشيا إن هم رمتهم ظروفهم الى تلك الادارات واخرى لا يزال طاقم موظفيها قديم الفكر والتفكير يشتغل بالسجلات والاقلام ويهاب الكمبيوتر والانترنت ، وهناك موظفون اشباح لا يحظرون الى مكاتبهم إلا لماما ، وإن حضروا فإنهم يضعون الفيستا فوق الكرسي ويفتحون سجلا ويضعون قلما بقربه ، ويتركون الباب مفتوحا ثم يخرجون الى المقهى المجاورة ، فلا يعتقد المواطن وهو يرمق مكاتبهم إلا كونهم في المكتب المجاور ، هذا دون الحديث عن معاناة قبيلة صغار الموظفين من راتب يكثر الضغط عليه من كل الجهات ، وهو ساكن لا يتحرك .
عموما فالادارة المغربية يمكن اصلاححها اولا بتجريد مبررات اهلها من ضعف الحيلة وقلة الوسيلة ، وبعد ذلك يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة ، أما البكاء على اسوار الادارة المغربية ، وهي حبلى بالهموم الداخلية ، فإننا سنكون كمن يضع “الخنونة فوق لعكر” ، ويبقى اخيرا دور المواطن الذي عليه ان يدرك ما له وما عليه داخل الادارة التي يقصدها ، فلا يمكن التعجيل بقضاء حاجة مواطن لا يحمل معه وثائق كاملة ، ويتدرع بكونه قطع المآت من الكيلومترات ، وتبقى الادارة المغربية هي بنت المجتمع المغربي ، يسري عليها ما يسري على كل القطاعات ، أليس المجتمع كالبنيان المرصوص إذا اختل قطاع فيه تداعت له القطاعات ؟ .