حتى وإن كان ثمن المتر المربع في أراضي الدولة بمنطقة طريق زعير ، بقلب العاصمة الرباط يحكمه مرسوم ، فإن رجال الدولة ومعهم رجال السلطة كان يجب عليهم الترفع على الانغماس في هذه الشبهة ، بل كان عليهم أن يرفعوا التقرير تلو التقرير يلفتون فيه انتباه رؤسائهم بأن هناك مرسوما قديما يسيء الى مداخيل الدولة ويضر بها ، حتى يعملوا على تعديله ، كان عليهم أن يجمعوا “ريوكهم ” وألا يتركوها تغالبهم وهي تسيل لهفة منهم للانقضاض على تلك البقع الأرضية وضمها الى ممتلكاتهم بأثمنة هزيلة ، كان عليهم أن يرفضوا رفضا قاطعا الاستفادة من كعكعة ملطخة بمال الشعب ، وحقوق اكثر من ثلاثين مليون مغربي ، كان عليهم النأي بأنفسهم عن تلك “الهوتة ” ولو أنها مسيجة بالقانون .
لكن العكس هو ما حصل ، حيث تهافت الوزراء والولاة والعمال وغيرهم من أمناء الأمة ، وبعض المحسوبين على مفكريها ، على الإرتماء على الغنيمة ، وابتلاعها ثم مسحوا أصابعهم بورق ذلك المرسوم ، وتحولوا بدريهمات قليلة الى اصحاب الملايير ، في “بيعة وشرية ” تفتقد لكل ضوابط المشروعية والمنافسة الشريفة ، و بعد ان تم ضبط أحدهم متلبسا بجنحة الاثراء على حساب الشعب ، وبدل الاسراع الى رد الوديعة الى شعبها ، خرج علينا وزير الداخلية وزميله في المالية ببلاغ “نقشوه بجوج ” ، وبوجه صحيح وجبهة قاسحة ، حاول الوزيران إفهامنا أن اقتناء المتر المربع في طريق زعير ب 7000 ريال هو صفقة قانونية ، وأمرونا أن نصمت ونخرس ونبلع ريقنا ، وألا نجادل أو نناقش ، أو نسيء لأسيادنا السامين علينا ، أسيادنا الذين سماهم وزير الداخلية وزميله في المالية ب”خدام الدولة ” ، لتزيد صدمتنا حين ندرك فيما بعد أن معالي الوزيرين المبجلين هما أيضا من فئة “مصاصي دماء طريق زعير ” ، هما كذلك شربا من نخب المرسوم المقدس ، ثم ما لبثت لائحة المرسوم المشؤوم أن اتسعت لتضم وزراء ومسولين كبار حجما وسنا ، حينها أدركنا أن في الأمر خديعة ، وأن سر غضبة وزير الداخلية وزميله في المالية ، إنما هما و ب”لاندريكت ” يبحثان عن ” شومبرير” يغيثهما من غرق وشيك .
استحدث الوزيران مصطلحا جديدا ، وهو “خدام الدولة “، دون أن يحددا معنى ومغزى هذا المصطلح ، فإن كان “خدام الدولة ” يخدمون الدولة كموظفين ، فأمثالهم بالملايين من الموظفين ، وجميعهم لهم رواتبهم الشهرية ومنحهم وعطلهم وامتيازاتهم وتقاعدهم ، بحسب سلمهم الاداري ، ولا أحد من هؤلاء ختم مشواره الوظيفي بالاستيلاء على فدادين في وسط العاصمة الرباط ، وإن كانوا يقدمون للدولة “خدمات” لا يراها سوى وزير الداخلية وزميله في المالية ، ولا يكون جزاؤها سوى نصف هكتار من الارض في وسط الرباط ، فحبدا لو يطلع علينا معالي الوزيران ببلاغ يوضحان لنا طبيعة تلك الخدمات .
يحكى أن متهما اغتصب فتاة ، ووقف بين يدي قاض مرتش ، فاستفسره عن سبب فعلته ، فأخبر المتهم القاضي المرتشي أنه فعلا اغتصب الضحية لأنه يحوز مرسوما يبيح له ذلك ، فطالبه القاضي بالمرسوم ، فمد المتهم للقاضي غلافا ، تفحصه القاضي فوجد فيه مبلغا كبيرا من المال ، حينها مال القاضي الى زميله في هيئة المحكمة وهمس في أذنه قائلا : كلامه صحيح ، فعلا إنه يحوز المرسوم الذي يبيح له اغتصاب من شاء ووقتما شاء .