عاش المغرمون بكارزمية الرئيس التركي أردوغان كابوسا ، اعتقدوا أنه في نهاية ذلك الاسبوع ستكون نهاية رئيس ظنوه لن يموت قبل أن يحقق لهم آمالهم ، فعندما بلعت بعض وسائل الاعلام الطعم وباتت تحدث أخبارها ان عسكر الانقلاب أوحى لها ، أنه استولى على السلطة في بلد الباشوات ، وأنه أنهى عهد اردوغان ، كانت علامات الحزن والأسى والأسف تدب في عروقهم ، وهم يتجرعون الألم رويدا رويدا ، كيف يمكن أن يأفل نجم رجب وهو الذي في كل خطاباته يعد ويتوعد ، ويصيح ويغضب ، ويشير ويهتف؟ أيمكن أن ينتهي كل شيء في تلك الليلة الظلماء ؟
تسائلنا ليلتها من فعلها ، هل هم الروس وجهاز الكاجيبي ، الذين لم ينسوا سقطة “السوخوي” وتكسير أنفة القياصرة ؟ ، هل هم الاسرائيليون الذي ضاقوا ذرعا برئيس يصارع من أجل رفع حصار غزة وكأن غزة مقاطعة تركية ؟ ، هل هم الامريكان يريدون تسليم السلطة في تركيا للجيش حتى تسهل عليهم استعمال قواعدها لكسر شوكة تنظيم الدولة والاقتراب من العدو الايراني ومعه الغريم الروسي ؟ هل هي …هل هي …، خرص العالم ليلتها ولم يصدر اي بيان ، باستثناء بيانات قريبة من التشفي تدعو الى عدم اراقة الدماء ، وكأننا أمام خلاف بين طفلين صغيرين دخلا في عراك في مدخل حومة ، الى أن ظهر الرئيس بغضبته ووجهه الصارم على شاشة جهاز هاتف نقال ، يستنجد بحفدة العثمانيين، يدعوهم الى النفير من أجل إنقاذ تركيا ، حينها شرعت المنازل و المساكن تتقيأ ساكنيها ، وبدأت الشوارع والميادين تكتظ بالاتراك الذين قادوا هجوما مضادا “كونطرأطاك ” ضد شرذمة أرادت أن ترمي بتركيا وبأمجادها وتاريخها وحضارتها واقتصادها عقودا الى الخلف ، أرادتها دولة يحكمها من يملك اكبر عدد من الرصاصات وليس أكبر عدد من الأصوات ، دولة يتحول فيها الجيش الى “طاشرون ” يبني القنوات والطرقات ، والى بائع سندويش على الجنبات ، وإلى رجال أعمال ، وأصحاب كروش وأوداج ، فتضيع العقيدة العسكرية ، وتصبح الحقوق والحريات جنايات ، ويتحول المعارض الى إرهابي ، و يصبح ورش بناء السجون وتوسيعها على قائمة الإنجازات ، خرج الشعب التركي ، والأجمل والأبهى في خرجته ليلتها أنه لم يستغل فرصة فراغ السلطة وسيادة الفوضى ليهاجم متاجرا أو “سوبرمارشيات ” أو ابناك أو مؤسسات ، لم يضرم نارا ، ولم يتسلق عمارات ولا بنايات ، ولم يظهر من بينه ولا من خلفه ” مواطنون شرفاء” ينشرون الرعب ويسرقون الامتعة ويغتصبون النساء ، وحتى عندما حاصر الشعب اولئك الانقلابيين ، لم ينتقم ولم يضرب أو يجرح ، بل أثبت وأمام عيون الكاميرات أنه شعب واع راق ، وأنه أكبر من يحكمه أولئك المجرمون الذين رغبوا في سرقة إرادته ليلتها ، والعودة به الى نقطة الصفر ، كان الشعب التركي رائعا وهو يمارس سيادته وسلطته ويقول كلمته ويصدر حكمه ، في حق من ازعجوه في ليلته تلك ، تذكرت مشهد إحدى الشعوب العربية عندما هاجت و هاجمت قصور الدولة أثناء فراغ في السلطة ، واستولوا على كراسي وصور و مراحيض وهاجموا المتاحف وسرقوا آثار وحضارة ، وتذكرتهم وهم يضرمون النيران في دوائر شرطتهم ، يحرقون مؤسساتهم ، مثل سكير فقد السيطرة على وعيه ، ويصعدون الشرفات ليحرقوا وينتقموا ، وتذكرت وتذكرت ، ووجدت الفرق شاسعا بين شعب وبين عدد من الأهالي ، وعلمت أن الديمقراطية نبتة سمادها وعي الشعب وتربتها اتحاده وماؤها تقديره للمسؤولية ، أما الأهالي الطائشة المتنطعة مثل أسراب الحمير المتوحشة ، فتحتاج الى جلسات إضافية من الضرب بالسياط .
المجد للشعوب المتحضرة الواعية الراقية المسؤولة ، تلك التي تنزل الى الشارع بلا ضجيج ، فتملأ فراغا في الحكم ، وتصلح عطبا في النهج ، وتقول كلمة صدق صارمة ، وتبًا لمن سيق من الشعوب مثل قطيع الخرفان ، تثغو وتثغو الى أن وضعت الجيش فوق ارادة الشعب ، وبات هذا الجيش يستدفئ بخشب صناديق الاقتراع لانها لم تعد تصلح لشيء غير التدفئة .