مجتمع

تجاهل آسفي.. غياب رئيس الحكومة يسائل أولويات الحكومة وأعراف المسؤولية

 

بعد كارثة آسفي المؤلمة التي راح ضحيتها 37 مواطنًا مغربيا، لا يزال السؤال الأبرز يطارد المشهد العام: لماذا لم يكلّف رئيس الحكومة نفسه عناء زيارة المدينة المنكوبة؟ في الوقت الذي كانت فيه العائلات تنتحب وأجواء الحزن تخيم على المكان، كان غياب أعلى سلطة تنفيذية في البلاد لافتًا ومستفزًا.

 

ليس الأمر مجرد نقص في البروتوكول، بل هو إشكال عميق في فهم معنى المسؤولية السياسية والأخلاقية في لحظات المحن الوطنية. فالزيارة ليست شكلاً احتفاليًا، بل هي رسالة تضامن تطمئن المواطن بأن قيادته تشاركه الألم، وتتلمس معاناته عن قرب، وتتعهد بالوقوف إلى جانبه حتى تحقيق العدالة والإنصاف. غياب هذه الزيارة يُقرأ، سواء أرادت الحكومة ذلك أم لم ترد، على أنه تقليل من شأن المأساة، وربما انفصال عن نبض الشارع وهموم الناس اليومية.

 

في الثقافة السياسية الرشيدة، يكون المسؤول أول الحاضرين عند وقوع الكارثة، وآخر المنسحبين حتى يتم تطويق آثارها. هذا الغياب يطرح تساؤلات أكبر: هل هناك خلل في تقييم الأولويات؟ أم أن هناك حسابات أخرى تطغى على الواجب الإنساني والسياسي المباشر؟ الأزمة لا تكمن في الحادث فقط، بل في إدارة تداعياته الرمزية والاجتماعية.

 

ما حدث في آسفي ليس قضية بيئية أو محلية فحسب، بل هو اختبار حقيقي لمصداقية الخطاب السياسي عن “المواطن في صلب الأولويات”. عندما لا يتحول هذا الخطاب إلى فعل ملموس في أحلك الظروف، فإنه يخاطر بأن يُفقد معناه، ويغذي شعورًا عامًا بالخذلان والغضب.

 

المواطنون ينتظرون أكثر من البيانات الصحفية والتعازي الرسمية. ينتظرون إحساسا حقيقيا بالمسؤولية المشتركة، يترجم من خلال الوجود الفعلي والحضور الإنساني في ساحة المأساة. تجاهل هذه الزيارة ليس هفوة صغيرة، بل هو فصْل في كتاب ثقة مهترئ بين الحكام والمحكومين، يحتاج إلى إعادة كتابة عاجلة قبل فوات الأوان.

 

العدالة التي تطالب بها عائلات الضحايا لا تقتصر على المحاسبة القانونية للمُقصِّرين، بل تمتد لتشمل محاسبة الصمت الرسمي، والغياب غير المبرر، والمسافة النفسية التي تفصل بين من يديرون الشأن العام، ومن يدفعون ثمن إدارته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى