الرأي

قيادة تقنية وفكرية تضع التخييم على سكة الاحتراف

 

حكيم السعودي

في الوقت الذي يشهد فيه قطاع الطفولة والشباب بالمغرب تحولات جوهرية أضحت الحاجة ملحة إلى إعادة هيكلة ورش التخييم باعتباره أحد أهم فضاءات التنشئة الاجتماعية غير النظامية. ولم يكن هذا التحول ليأخذ مساره الطبيعي لولا بروز جيل جديد من القيادات الإدارية داخل وزارة الشباب والثقافة والتواصل، جمع بين التجربة الميدانية الطويلة والخبرة التقنية والفعل الجمعوي المسؤول. وفي مقدمة هذا الجيل يبرز كل من حكيم موافق رئيس قسم التخييم ومحمد موافق رئيس مصلحة التخييم اللذان أصبحا اليوم من الأسماء المحورية في هندسة السياسات العملية للقطاع باشراك طاقات شابة في هندسة القطاع.
فخلافا للصورة التقليدية لمناصب المسؤولية جاء صعود هذين الإطارين ليكرس نموذجا جديدا للقيادة عنوانه: الكفاءة قبل المنصب والخبرة قبل القرار والفكرة قبل التنفي. فقد جمعا بين ما راكماه من احتكاك مباشر بالمخيمات والتسيير داخل الادارة بالمديريات الإقليمية و مراكز التداريب والعمل الجمعوي الميداني وما اكتسباه لاحقا من خبرات إدارية وتقنية داخل الوزارة. هذا الانسجام بين الرؤية التربوية والتخطيط الهندسي مكنهما من إعادة ترتيب أولويات القطاع وتوجيه دفة عمله نحو مسار أكثر عقلنة وفعالية. وقد كان الموسم التخييمي الفارط خير شاهد على هذا التحول؛ إذ شهد تقسيما أكثر عدلا ووضوحا للمقاعد وتوزيعا محكما للدفعات، إضافة إلى إعادة ضبط معايير المشاركة في التداريب التكوينية. ولعل أبرز ما ميز هذا الموسم هو الانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق التخطيط القبلي حيث أصبحت المقاربة تروم استباق الإشكالات بدل انتظار وقوعها والاعتماد على قاعدة بيانات دقيقة تستحضر قدرات الجمعيات وحاجيات الأطفال وتضمن تكافؤ الفرص بين الجهات.
وإذا كان هذا التحول قد لمس تفاصيل التدبير التقني فإن مظاهره الكبرى ظهرت خلال المناظرة الوطنية للتخييم التي نظمتها الوزارة – قطاع الشباب – بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم. فقد كانت البرمجة بحد ذاتها رسالة واضحة بتنظيم ورشات صيغت بعناية، مواضيع منتقاة بدقة، توزيع منطقي للّجان، مشاركة واسعة للمهنيين والباحثين والفاعلين الجمعويين. لقد كانت المناظرة حدثا وطنيا ولكن الأهم أنها كانت علامة على دخول قطاع التخييم مرحلة جديدة من التفكير الاستراتيجي. في هذا المسار لا يمكن إغفال الدور المركزي الذي تلعبه مديرة الشباب والطفولة السيدة كنزة أبو رمان التي أعادت للقطاع روحه وعمقه الاستراتيجي، عبر رؤية واضحة تعتبر الطفل نواة السياسات العمومية في المجال بمعية طاقهما. إلى جانبها يشكل أيمن فردوس والشاب أيوب ومجموعة من الأطر الوزارية الأخرى فريقا متناغما يعمل بمنطق الفريق الواحد ويتحرك على إيقاع واحد خدمة الطفولة والشباب وفق تصوّر عصري. لقد بدأ هذا الفريق في تحويل المخيمات من مجرد فضاءات للترفيه إلى فضاءات للتعلم غير النظامي وإلى مختبرات تبنى فيها قيم المواطنة والانضباط والعمل الجماعي وتمارين القيادة والتفكير النقدي. وهي رؤية قريبة مما تعرفه الدول المتقدمة حيث يشكل التخييم جزءا من مشروع الدولة الاجتماعي.
إنّ ما يجري اليوم داخل الوزارة ليس مجرد تدبير إداري روتيني بل هو مشروع إصلاح متكامل يستمد قوته من الانفتاح على الجمعيات الجادة ومن العمل في إطار شراكة حقيقية مع الجامعة الوطنية للتخييم ومن اعتماد مقاربة تشاركية شفافة في اتخاذ القرار، وقد تمكن كل من حكيم موافق ومحمد موافق من موقعهما من إعطاء هذا المشروع بعدا عمليا يلمسه الفاعلون يوميا في البرمجة، في التواصل، في التنظيم وفي طريقة معالجة الملفات. ورغم أن الطريق ما يزال طويلا إلا أن المؤشرات الحالية تؤكد أن قطاع التخييم يتجه نحو مرحلة جديدة قائمة على الحكامة والوضوح والعدالة المجالية والتأطير التربوي العصري. مرحلة تجعل من التخييم ورشا استراتيجيا لا نشاطا موسميا؛ ومن الطفل محورا لا مجرد مشارك ومن الطاقات الجمعوية شريكا أساسيا لا ممثلا ثانويا.و يبقى الرهان الأكبر هو الحفاظ على هذا النفس الإصلاحي وتدعيم العمل المشترك بين الوزارة والجامعة والجمعيات لأن مستقبل الأطفال لا يبنى بالقرارات فقط بل بالإرادة والفكر والصدق والتفاني في خدمة الصالح العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى