
▪︎ العضراوي يرثي حال جزولة
▪︎ كلام عابر
وجدت نفسي صدفة في جزولة، البلدة التي طالما حدثكم عنها- اصدقائي الأعزاء- وتجاذبت حولها أطراف الحديث وكتبت عنها عدة مقالات لنفض الغبار والتعريف بها مكانا منسيا من خريطة التنمية، ولجت بوابة هذه “المدينة”الجحود بعد أن قضيت بضعة أيام في مناطق شاطئية، ارواوح مكاني بين الوليدية والصويرية ومدينة آسفي.
لم أكن ارغب في المكوث طويلا هنا، لكن حاصرتني فيها الحرارة المفرطة ومنعتني من السفر. لم يتغير شيء في هذه البقعة البيئسة من منطقة عبدة، جزولة كأنها تكافح بمنتهى الاصرار على أن تبقى وفية لوضعها المجالي المتهالك ومخلصة لحالها المتردي الذي يزداد رداءة يوما عن يوم، اهمال يتجلى على كافة المستويات ووقوف عقارب التنمية في زمن محدود، صمت مشوب بالحدر ينتظر الاستحقاق القادم وترقب مريب لمنظومة الريع التي تسيدت القيادة منذ عقود والمنافقون الذين يوجدون حولها، يجددون وجوههم ويستعدون لتحيينها في حالة تغير الأسماء، سيقدمون الولاء لمن يأتي ويحمون مصالحهم بأساليبهم الحقيرة.
لا شيء يلوح في الافق ليعطيك أملا في المستقبل.
جرى الحديث عن تنفيذ برنامج اعادة هيكلة المدينة قبل سنوات (2017) وتوطين بنية حضرية جديدة في بعض شوارعها واعادة الاعتبار لمجالها الحضري والبيئي، وقعت اتفاقيات شراكة في عدة قطاعات، تطرق محضر اجتماع 10 اكتوبر 2017 الى تاهيل المجال الحضري لبلدية سبت جزولة وجمعة سحيم ومول البركي وقعت اتفاقيات الشراكة ووعد الشركاء بالوفاء، اكد عامل الاقليم انذاك السيد لحسن شينان على ضرورة التزام الشركاء في الاتفاقيات بتمويل المشاريع والالتزام بها، وتم رصد ميزانيات هامة لهذا البرنامج، لكن أين النتيجة. سمعنا السنوات القليلة الماضية من بعض المقربين وحواريي القادة المحترمين في المجلس البلدي لسبت جزولة، أن المجال الحضري للمدينة سيشهد ثورة في التغيير وستتحول سبت جزولة على مستوى الوسط العمراني للمدينة والاطراف الى بنية عمرانية مغايرة وستنتعش المشاريع الاستثمارية التي طالها النسيان والمشاريع المعطلة كالمسبح البلدي والاسواق وملاعب القرب وغيرها وتم التخطيط كما قيل لذلك وتفاءلنا خيرا.
عند قدومنا هذه المرة الى هذه البلدة التي آثرنا أن لا نعيد النبش في وسخها كما يفعل البعض، لم نجد في استقبالنا شيئا يسر، وجه حضري، تغير أو عمران يعلو سقف الممر التجاري في الطريق الرئيسي؛ البيضاء آكادير أوعمارات شاهقة تقام لتعطي الانطباع على وجود تغيير حضري ممكن، أو منجزات تليق بمدينة صاعدة على الأقل تجديد المجزرة وبناء سوق حديث وسط المدينة أو شيء من هذا القبيل، لا شيء تحقق من برنامج التنمية الحضرية كما وعد بذلك تقرير اجتماع المجلس الاقليمي المشار اليه ووعود المنتخبين، كل ما وجدناه أمامنا، هو الفراغ القاتل ونظرات مرتزقة موائد الريع الذين يقدمون أنفسهم حماة لأولياء نعمتهم ويعادوننا بجرعة زائدة على عكس اولياء نعمتهم، الذين يأخذون العصا من الوسط ولا يبدو أن بيننا وبينهم عداء.
اين ما وليت وجهك تجد من يتبادل حولك النظرات وهمسات النميمة التي توشوش من وراء ظهرك. لا يوجد مكان داخل هذه المدينة يليق بالجلوس، حين تضطرك الحاجة لتلتقي أحدا، تجلس في مقهى مؤثت بالسهام المارقة، تصوب نحوك العيون القاتلة نظراتها المشتعلة، وتشتغل النميمة تجذب سيرتك وتعرف بك في الخفاء وتبادلك التحية التي قال فيها الشاعر؛
يقولون لي اهلا وسهلا ومرحبا ولو ظفروا بي خاليا قتلوني
خلسة يأتي صوت خافت ممهور بالقهر والخوف والجبن؛
-عرفتي صاحبنا راه جاي مع فلان
– آه هذاك هو العضراوي ؟
– اييه اسي..
– واقيلة هو مشي ولد السبت ؟
– من لعضاروة الشراشمة ….
– واش جابو لسبت يهضر عليه،
– كاليك اسي قرا فيه واحد العام قبل ما ينتقل لإعدادي بآسفي،
– حدر راسك ما تشوف فيه باش ما يسلمش علينا
– وعلاش ما نسلموش عليه اش فيها؟
– راه غادي يلومونا لخرين يقولو ليك كتعطيوه المعلومات
– واش هو في المخابرات؟
– وتا لا، هو ف”صحافي” وكيكتب على السبت بزاف وفي الفريق المعلوم الذي يحاربنا ونحاربه بجزولة؟
– وما لوا لكان نسلمو عليه اش فيها كل واحد يضبر راسو؟
– وتا لا اصحابنا ما يبغيوناش نهدروا معاه ولا نجلسوا معاه، غادي شكوا فينا.
– صافي صافي راه قرب حدر غلاستك الأرض ولا سلم عليه غير بصباعك وصد للجهة الأخرى…
(سيناريو محتمل واقعي وليس فقط من تشابه الأحداث)
ولكن لمثل هؤلاء الأشخاص، وهم قلة في هذه البلدة، نقول لهم؛ نحن نقدر وضعكم المتحكم فيه، الذي تنقصه الجرأة والحرية الشخصية، انتم مستلبون وتحت التسلط لستم أحرارا لأسباب تعرفونها، فلستم مجبرين على ان تبادلوننا السلام أو تبتسموا في وجوهنا ابتساماتكم البلهاء الخبيثة تم تستديرون غضبا وتعضوا على الأيدي والأنامل، لسنا في حاجة لأن نمد أيدينا الطاهرة المخضبة بمداد العلم والمعرفة لنلوثها بآثار السوء والشر الذي تحمله ايديكم وقلوبكم، لسنا في حاجة لنعرفكم أو نجالسكم أو نتحدث معكم فمعرفتكم لا شيء ومجالستكم لا تفيد وحديثكم مضيعة للوقت ونفاق، لكم دينكم ولنا دين.
أما هذه المدينة المسكينة، فلنا يقين اليقين أنها لن تبرح محطتها الاثيرة التي لم تغادرها منذ السبعينات، لن تتقدم قيد أنملة بعقلية مثل عقليتكم الجامدة، فقد وقف قطار رحلتها طويلا وتعطلت عجلاته، يلزم كثير من العمل الشاق لكنس العتمة من عقولكم التي يملاؤها الظلام ولا تريد ان تفرق بين معنى الظلام والنور كي نستأنف الرحلة،
لنا شأننا ولكم وشأن مدينتكم افعلوا بها ما تشاؤن، انما هي مرحلة عبرت وصدفة جاءت بنا اليكم ستنتهي قريبا وكأنها حادثة سير لا ينبغي أن نلتفت اليها لا من قريب ولا من بعيد. لا نحن منكم ولا انتم منا، حدود فاصلة ما بيننا، نشأنا في زمن آخر ومكان آخر وكبرنا وكبرت معنا طموحاتنا ووصلنا الى اعلى القمة التي تجهلونها تمام الجهل ولن تعرفوا مطلقا القيمة التي اتحدث عنها، لست أدري مالذي كان سيقع لو لم يباعث “موسم الهجرة الى الشمال”، آباءنا في ستينيات القرن الماضي؟ هناك كبرنا وتعلمنا عادات جيدة وتلقينا تعليما جيدا ومارسنا حقوقنا كاملة ولو شئنا لكنا فوق رؤوسكم سادة وآمرين، لم نتمسح بأحدية أحد ولم نقف على الأبواب نشحذ الريع ونضع كرامتنا تحت أحدية الحقراء.
صعد فيثاغورس الى تلة عالية وصاح في ساكنة أثينا قائلا؛ ” يا ساكنة أثينا الجبناء، ابقوا عبيدا للمصالح الضيقة كما كان آباؤكم وأجدادكم وعيشوا بدون كرامة، كذلك ستبقون وكذلك تمضي أجيالكم القادمة، أما أنا فراحل الى حيث الضياء”.
تحياتي للشرفاء والرجال الفضلاء من جزولة
▪︎الكاتب المغربي المعروف
د/ ميلود بلحسن العضراوي
عن صفحته بالفايسبوك