لا بديل عن التعاضدية..ولا تنازل عن الاستقلالية..

▪︎ذ/ يوسف عبد القاوي: محام، عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء

0

إن محاولة إدخال المحامين ضمن المستفيدين من النظام الإجباري للتأمين على التغطية الصحية من خلال تنزيل مقتضيات القانونين 98.15 و 99.15تدبير محكوم عليه بالفشل سلفا، فلم يسبقه نقاش مستفيض جاد وهادف، والقرار كان أحاديا وانفراديا من طرف الحكومة، ولم يستحضر حجم المجهودات والتضحيات الجبارة التي بدلتها هيئات المحامين بالمغرب من أجل وضع وتكريس أسس نظام تعاضدي فعال، ذي مصداقية، له من التوازنات المالية ومقومات الاستمرارية ما يبرر الحفاظ عليه ودعمه وتقويته.

إن هيئات المحامين بالمغرب قد عملت، ولا زالت تعمل، على تطوير هذا النظام وتحسينه عبر مجموعة من التدابير لعل آخرها يتمثل في التوقيع الرسمي على اتفاقية إسعاف لفائدة منخرطي التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب الذي تم بمقر شركة الملكية المغربية للتأمين بتاريخ 22 فبراير 2023، وهي اتفاقية أخذت من الدراسة والمناقشة وقتا ليس بيسير سيستفيد منها كل المحاميات والمحامين المغاربة وأسرهم.

وتطور خدمات التعاضدية أصبح واقعا ملموسا، عبر تحقيقها لتغطية اجتماعية مقابل اشتراكات تؤديها الهيئات، يستفيد المحامون وأسرهم بواسطتها من تغطية لجزء مهم من التكاليف الطبية والجراحية والاستشفائية والدوائية، بجودة وآجال ما فتئت تتحسن.

ولا شك أن القانونين 98.15 و99.15 مفتقرين لدراسات الجدوى، بدليل كثرة الإشكاليات القانونية التي يثيرانها، مما يجعلهما لا يضمنان استدامة المشروع، ولا يقللان من التداخلات غير المتناسقة مع قوانين أخرى، ولا يستحضران خصوصية مهنة المحاماة.

–      مبررات عدم إمكانية شمول المحامين بمقتضيات القانون 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

إن الإيمان بالمشروع نصف نجاحه والمواكبة والتتبع والتواصل نصفه الآخر، وبالتالي فإننا نرى أن الحل الأمثل هو دعم النظام التكافلي عوض محوه ووأده.

وقد شهد التغطية الصحية الأساسية لفائدة أجراء القطاعين العام والخاص تطورا مهما بدخولها حيز التنفيذ في غشت 2005 وتوسيعها سنة 2012 من خلال إحداث نظام المساعدة الطبية لفائدة المعوزين اقتصاديا وكذا دخول نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة الطلبة حيز التنفيذ سنة 2016.

وعرف ورش توسيع التغطية الصحية الأساسية تطورا جديدا تمثل في إحداث نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، مرسوم رقم 2.21.290 صادر في 29 نوفمبر 2021 بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

وفي إطار اللجنة المشتركة للوزارات المعنية بالتغطية الاجتماعية للعمال غير الأجراء، تم إنجاز مشاريع النصوص التطبيقية للقانونين 98.15  و 99.15الآتية:

المرسوم التطبيقي للقانونين98.15  و99.15 والمطبق بشكل عام، والذي يشمل على الخصوص قائمة أصناف المهن المزاولة من طرف العاملين لحسابهم الخاص والأصناف الفرعية لهذه المهن وقرار الوزير المكلف بالشغل المطبق له؛

المرسوم التطبيقي للقانون رقم98.15  المتعلق بالمجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

والثابت أن المحامون مستثنيون بقوة القانون وبمنطوق المادة 3 من القانون رقم 98.15 يتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا والتي تنص على أنه:

“يخضع لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المشار إليه في المادة الأولى أعلاه، الأشخاص المنتمون لإحدى الفئات التالية، شريطة ألا يكونوا خاضعين لأي نظام آخر للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض:

·        أ- المهنيون المستقلون؛

·        ب- العمال المستقلون؛

·        ج- الأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا…”.

وقد سبق وأن اعتبرت “جمعية هيئات المحامين بالمغرب” أن القانون “يشكل تهديدا لوجود التعاضدية” من خلال مذكرة ترافعية جاء في فقرة منها: “إن القانون الإطار رقم 98.15 والمقتضيات القانونية التي جاء بها “تشكل تهديدا لوجود التعاضدية وتراجعا قد يمس الحق في الصحة بالنسبة لعموم المحاميات والمحامين، أمام وجود حق مكتسب يضمنه انخراط هؤلاء في تعاضديتهم المؤسسة منذ أزيد من اثنتي عشرة سنة”.

كما عبرت “التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب” عن مخاوفها من كون القانون الإطار رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا صدر “في غياب أي مقاربة تشاركية مع الهيئات التمثيلية للمحاميات والمحامين”.

إن إدراج المحامين ضمن الأصناف الفرعية المعنية بتطبيق القانون الإطار المذكور فيه خرق للقانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، من خلال محاولة “فرضه الوصاية على الهيئات، وسلب استقلاليتها والتعدي على اختصاصاتها”، فمجالس هيئات المحامين هي التي تختص بإنشاء وإدارة المشاريع الاجتماعية لفائدة المحامين وأسرهم. بقوة القانون.

إن “التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب” سبق وأن اعتبرت أيضا أن إدراج المحامين ضمن الأصناف الفرعية المعنية بتطبيق القانون الإطار رقم 98.15 فيه خرق للمادة الثالثة منه، والتي تنص على أنه: يخضع لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الأشخاص غير الخاضعين لأي تأمين آخر للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

واعتبرت أنه بموجب هذا المقتضى، فإن المحامين مستثنون من نظام التغطية الصحية الإجبارية الذي وضعته الحكومة، ما داموا يتوفرون على نظام إجباري أساسي للتأمين الصحي عن المرض تضمنه لهم تعاضديتهم، ويخضعون له بموجب قانون المهنة.

إن على الحكومة أن تستحضر بأن المحاميات والمحامين المنخرطين التعاضدية وكذا أقربائهم، من أزواج وأبناء، يستفيدون من التغطية الصحية الإجبارية إلى ما بعد ستين سنة، بالإضافة إلى تأمين أساسي عن المرض، وتأمين تكميلي عن المرض كذلك، وتأمين عن الوفاة في شقيه الأساسي والتكميلي.

وفقد ارتفع عدد المستفيدين من خدماتها من 6912 مستفيدا، سنة 2008، تاريخ إنشائها، إلى 20426 مستفيدا خلال سنة 2020.

كما أنه سبق للتعاضدية الإشارة إلى أن القانون المؤطر للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض “فيه مس خطير باستقلالية المهنة وتدخل في عمل الهيئات المهنية للمحامين”، مشيرة إلى ما تنص عليه المادة 10 منه، والتي تلزم الهيئات المهنية بموافاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمعلومات المتوفرة لديها المتعلقة بكل شخص تابع للهيئة، تحت طائلة عقوبات مالية في حال عدم تقيد الهيئات بهذه المقتضيات.

كما أن القانون الإطار رقم 98.15 “يمس أيضا باستقلالية مهنة المحاماة وعمل هيئات المحامين ويبسط الرقابة عليها”، لكونه يعطي الأوامر لها بوجوب طلبها من المؤمن نسخة من شهادة تثبت انتظام أداء واجبات الاشتراك المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قبل تسليمه أي وثيقة أخرى مرتبطة بمزاولته للمهنة.

وسبق أيضا أن اعتبرت التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب أنه بموجب هذا المقتضى: “أصبح المحدد للممارسة المهنية للمحاميات والمحامين، ليس قانون المهنة، وإنما الشهادة الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي تفيد انتظام المؤمن لأداء اشتراكاته للصندوق، وهذا يعتبر تدخلا سافرا في عمل الهيئات، ومسا خطيرا باستقلاليتها”.

كما سبق للمحامين أن انتقدوا أيضا الطريقة التي تقرر بها احتساب المساهمات التي سيؤديها المستفيدون من التغطية الصحية الإجبارية، معتبرة أنها: “ستكون جد مرتفعة، لن يكون بمقدور لا عموم المحاميات والمحامين من جهة، ولا هيئات المحامين من جهة أخرى الوفاء بها، خصوصا أن هذه التحملات لا يقابلها أي مكسب إضافي، على اعتبار أن نظام التعاضدية يحقق امتيازات تفوق بكثير النظام المقترح”.

ويبدو أن محاولة فرض انخراط المحامين في نظام التغطية الصحية الإجبارية الذي وضعته الحكومة ستبوء حتما بالفشل، بعد المبررات المقبولة والمشروعة التي دفع بها المحامون، الذين أصبحوا مدعوين إلى “تضافر الجهود ووحدة الصف، من أجل مواجهة الموقف بما يلزم من الجدية والفعالية، حفاظا على “التعاضدية” كخيار استراتيجي بالنسبة للمحامين واستقلالية مهنة المحاماة.

I.          مدى نجــــاعـــة البدائـــل المطروحـة للنقاش:

تروج وجهات نظر مضمونها أن أموال المساعدة القضائية قد تشكل حلا مثاليا إذا ما تشبثت الحكومة بضم فئة المحامين على مجال تطبيق القانون رقم 98.15 يتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا على أن توزع بشكل تناسبي بين الهيئات وتخصص لأداء واجبات الاشتراك بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بهذا الخصوص على أن تتكفل الهيئات كما جرت العادة بتكملة أي خصاص.

وهذا المقترح بالفعل سبق وأن حضي بترحيب السيد وزير العدل وكان الاتفاق قاب قوسين أو أدنى من التوقيع مع هيئة محامين بعينها، إلا أن السيد وزير العدل سرعان ما تجاهل الموضوع وكأنه لم يطرح أصلا.

وتجد وجهة النظر هاته سنده في كون الغلاف المالي الذي خصصته وزارة العدل لأداء مستحقات المحامين، في إطار المساعدة القضائية في سنة 2022 ناهز مليارين و370 مليون سنتيم، وفي القرار المشترك بين وزير العدل ووزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 2787.19، القاضي بمراجعة المبالغ المعتبرة بمثابة مصاريف مدفوعة من طرف المحامين، وأن المرسوم 2.15.801 المتعلق بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 41 من القانون 28.08 نص على إمكانية مراجعة المبالغ المحددة بالمرسوم على رأس كل سنتين بقرار مشترك للوزير المكلف بالعدل والوزير المكلف بالمالية بعد استشارة هيئات المحامين، إلا أنه رغم مرور أكثر من سنتين لم تتم مراجعته بعد.

ونرى أن الإشكالية أعمق من أن يتم اختزالها في حدود البعد المادي ومسألة التمويل لأنها مرتبطة باستقلالية المهنة بالأساس التي نصت عليها جميع التشريعات، وهي أهم خصوصيات المهنة وكنهها، وركن مقدس يفتخر به المحامون ويعتزون وغير مستعدين للتنازل عنه، ولأن القانون 98/15 وخاصة المادة 7 منه تجعل مزاولة المحامي لمهامه متوقفا على شهادة يسلمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وسيصبح المحامي ملزما بالإدلاء بإبراء CNSS وهيئته أيضا ملزمة ومتضامنة معه، وهو ما يمكن تنزيله منزلة رخص عمل سنوية لأن الإدارات العمومية سيصبح من حقها طلب الإدلاء بتلك الوثيقة مقابل التعامل مع المحامي، وفي ذلك تحميل للمحامي وهيئته ما لا تحتمل.

إن المحامون قد أسسوا نظامهم التعاضدي، وكثير من هيئاتهم لها أنظمة اجتماعية خاصة بهم (صناديق تضامن وتكافل اجتماعي)، والقانونين 98/15 و99/15 لا ينسجمان ولا يستحضران خصوصيات مهنة المحاماة، ويخالفان الفقرة 5 من المادة 91 من قانون المهنة والقوانين الداخلية للهيئات التي أسندت لمجالس الهيئات الشق الاجتماعي.

إن خيارنا كمحامين لا يحتاج إلى مزيد توضيح، وهو أن نرافع على تشبتنا بالتعاضدية، فالقانونين 98/15 و99/15 يشكلان محاولة مساس سافر باستقلالية مهنة المحاماة ويتجلى ذلك أيضا من خلال الاطلاع على تشكيلة الصندوق (المادة 17 -مجلس إدارة الصندوق)، حيث نجد ممثلا واحدا عن قطاع العدل تحدده السلطة العمومية التابع لها قطاع العدل.

بالفعل، مشكلتنا أننا لا نواكب القوانين، وعلينا أن نقر بذلك، ومؤسساتنا المهنية، بمن فيها “جمعية هيئات المحامين بالمغرب”، مدعوة إلى إعادة النظر في طريقة اشتغالها التقليدية من أجل مواكبة المستجدات بكل يقظة وحذر حتى لا نمنح الفرصة لكل متربص أو متحامل أن يمرر تدابيره الرامية إلى تحجيم دور المحاماة كمهنة عريقة ضاربة جدورها في عمق التاريخ، وتقزيم دور المحامي في منظومة العدالة والمس بهيبته ومكانته الاجتماعية.

 

 

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.