كسل مدفوع الأجر..

محمد الشمسي
أتذكر الحملة الانتخابية التي قادها مرشح للانتخابات البرلمانية في الحي الذي أقطنه ، أذكر أني التقيته صدفة رفقة زمرته ذات مساء ، وقد ملئوا الدرب أزبالا بأوراق عليها صورهم بملامح ونظرات تؤكد أنهم فعلا “رباعة ديال الشلاهبية ” ، أتذكر يومها حين خاطبني كبيرهم وهو يبتسم ابتسامة صفراء عرى فيها على أنياب وقواطع ، وصافحني وكأنه يعرفني بل وكأننا ” مذوبين كرطونة سكر أنا وياه في شريب أتاي” ، وقال لي ” تعاون معانا راحنا عا ولاد الدائرة” ، وأحاط بي رهط من شيعته يكيلون له المديح والثناء ، وأنا أعلم أنهم مثل “عبيدات الرمى” ، يغنون لمن يدفع ، انصرف صاحبنا يومها ، وظلت كلمة “تعاون معانا” تطنطن في مسامعي ….صار المرشح نائبا برلمانيا ، بعدما “تعاون معاه ” العدد الكافي من الأصوات ، وطبعا هو بدوره “تعاون معاهم” ، ونسي صاحبنا أنه كان في بداية حملته يطلب العون ، فإذا به بات اليوم يطلب تقاعدا ، رأيت ذلك البرلماني مرة في قبة البرلمان ما هو بالنائم ولا هو بالمستيقظ ، ولم أره يوما يلقي سؤالا أو يتدخل بتعقيب ، قيل لي والله أعلم أن ثمة قمع يعيشه البرلمانيون داخل اجتماعات أحزابهم ، فليس كل برلماني له الحق في طرح سؤال ، أو الظهور أمام كاميرا التلفزة ، تلك المهمة محجوزة سلفا لابن العشيرة في الحزب ، أو ل “الكرايديا ” أو ” الكهنة حراس المعبد ” ، فالبرلماني “فيه وفيه ” ، هناك السلالة الشريفة المشرفة ، التي هي فعالة لما تريد في الحزب ، تتدخل متى تشاء وتقول ما تشاء ، وهناك برلمانيون هم مجرد أعداد يكتمل بها نصاب الفريق ليظفر له بمكان في التشكيل الحكومي ، وقد يكون سلما يصل به رئيس الحزب أو حاشيته إلى الحقيبة الوزارية ، وقد تتسلم سمكة من فم قط ولا يتسلم صاحبنا فرصة طرح سؤال في البرلمان .
أصبح النجاح في البرلمان “دجاجة بكامونها” ، تستوجب بالضرورة التمتع بحصانة تضع صاحبها فوق القانون ، ثم مص أجر سمين ، ولحس امتيازات لا تحصى ، و يريد صاحبه أن يختمه بتقاعد مضمون ، ونسي أصحاب خطاب ” تعاون معانا ” وخطاب “غادا غادا اللهم فينا ” ، كيف تحولوا إلى أهل أصول تجارية يريدون تعويضا عنها مدى الحياة ، ومن عرق جبين شعب ارتكب خطأ كبيرا حين أنجحهم ووضعهم أغلالا على رقبته ، و في الدول التي تحترم المنطق ويحترمها المنطق ، تكون السياسة مجرد متعة وتحد ، والانتماء الى الحزب هواية ونزوة ، وتقلد المنصب مغامرة ولذة ، وبعد نهاية المهمة يعود السياسي الى منصبه الأصلي أكان تاجرا أم موظفا أو فلاحا ، لكن في وطننا الحبيب السياسة مهنة ، والمنصب ترقية ، والعض عليه بالنواجد فرض عين وكفاية ، والوصول الى مركز القرار غاية تبررها كل الوسائل ، في وطننا الغالي تختل قواعد الكيمياء والفيزياء والرياضيات ، حيث يدفع البرلماني قرابة المليار سنتيم في حملته الانتخابية ، لأجل الظفر بمقعد لا يتجاوز راتبه الشهري ثلاثة ملايين ونصف سنتيم ، بمعنى أنه بعملية حسايبة سيسترجع صاحبنا خلال ال 60 شهرا من ولايته أكثر من 200 مليون بقليل ، وسيخسر 800 مليون في “البيعة والشرية” ، فلم يخسر صاحبنا خمسة أضعاف مما سيكسب ؟ ، ربما حتى إنشطاين بمعادلاته ونظرياته لن يقشع شيئا في حالة سياستنا وسياسيينا ، واليوم يقف نواب الأمة وقد أخرجوا “الصنطيحات” ، وخرجو ليها “طاي طاي” ، يريدون تقاعدا ممولا من المال العام ، ومنهم من يحضر خائفا مذعورا مرة في السنة خلال افتتاح الدورة البرلمانية لأنها تتصادف مع خطاب الملك في البرلمان ، ومنهم من لا يحضر وإن حضر نام وإن لم ينم لا يفهم شيئا مما يقال ، ومنهم “الحرايفيا” وهم سكان البرلمان المغربي الأولون ، جاؤوا إليه من صناديق الاقتراع عن طريق الرشوة و”القوالب” ، وجاز لنا هاهنا طرح الأسئلة المشروعة ونحن أهل الدار ، ما ذا يقدم البرلمانيون للوطن ؟ ، فباستثناء تأثيثهم للمشهد السياسي لإظهار البلد بوجه ديمقراطي شكلي ، فهؤلاء البرلمانيون مجرد حمولة زائدة تستنزف الميزانية ، منهم من حول البرلمان إلى ما يشبه “المحرك” يتبورد فيه كما يحلو له ، ومنهم من حوله إلى باحة استراحة “يهرس فيها النعاس” ، ومنهم من حوله إلى فضاء ” لتفراق اللغا” و”النميمة السياسية” .
إذا كان الموظف والعامل يختمان مدة عملهما بتقاعد يحتميان به من “دواير الزمان” ، فإنهما أفنيا العمر في خدمة إدارة أو شركة ، يدخلانها شبانا يافعين ، ويغادرانها كهلة بظهور ملولبة ، وعقاقير السكري وضغط الدم و”نظاظر الشوف” ، أما أصدقاؤنا البرلمانيون فإن “تابرلمانيت” بالنسبة لهم “خضرة فوق طعام” ، يبحثون من خلالها على توسيع النفوذ وتكديس المكاسب ، لا يحاسبهم رئيس على الغياب ، ولا يراقبهم مراقب على العطاء ، ولا يكلفهم رب العمل بمهام ، وبئس زمان بات فيه للكسل ثمن وتقاعد .