” المحلوبة حليب والمعصورة قيح” ولا مقابل لحبك يا وطني

0

•محمد الشمسي

من بين المشاعر التي امتحنتها جائحة كورونا في نفوس الناس، هناك حب الوطن، وقيمة هذا الوطن في وجدان المواطنين، ففي الوقت الذي ضحى فيه فئة بأرواحهم، وهجروا الأبناء والأزواج والوالدين لمواجهة الفيروس في ممرات المستشفيات، من أطباء وطبيبات ومرضين وممرضات ومسعفين ومسعفات، ومن رجال أمن ودرك وسلطة، وفي الوقت الذي ساهم فيه البعض الآخر بثروات، والبعض “بداك الشي اللي قسم الله”، والبعض الأخير ساهم بدعاء خالص للوطن بالنجاة من طوق الوباء، فإن فئات أخرى رأت في إسعاف وإسناد وطنها لا يكون إلا بدفع الثمن، فرغبوا “حلب الوطن وهو في أم المحن”، وعلى سبيل المثال هناك طبيب مشهور وضع مصحته رهن إشارة وزارة الصحة لعلاج أمراض كورونا، وهي خطوة وطنية خالصة منه، و”الله يقوي من أمثالو”، لكن الطبيب غير المتخصص في الأوبئة والفيروسات حمل شوكته وسكينه ليقتطع لنفسه ثمنا لغرفه التي وضعها رهن وطنه، حين استغل شفاء حالات معدودة في مصحته، فخرج على الناس بهذا الفتح العظيم وكأنه اخترع لقاح الفيروس، حيث جمع الصحافيين وكدسهم في مخالفة لقانون الطوارئ الصحية، وأصر على أن يكون هو المخرج لتلك المسرحية التي كتبها فوق مآسي أمة ترتجف خوفا من فيروس فتاك، وصوب مدفعية الإعلاميين نحو اسم مصحته كي يبرز اسمها كاملا، في دعاية مجانية مقيتة، شبيهة بتغذية الغربان على جروح العساكر الجرحى في بقايا الحروب، ثم “تبندر” صاحبنا الطبيب أمام عدسات الكاميرات، وشرع في ترديد النشيد الوطني، ونسبة شفاء المرضى لمصحته، والحال أنه فقط “مول الحيوط”، أما الدواء والعلاج “فعندو ماليه”، ولم يبق لصاحبنا سوى أن يقول للناس إن كورونا صديقه وقد تحدث إليه وطلب منه مغادرة الوطن فورا، أو يقوم ب”شفط” دهونه.
أن يقدم صاحبنا مصحته لوزارة الصحة والدولة في جائحتها فهذه هي البطولة وهذا هو الجود والكرم، لكن أن يبحث البطل عن منفعة له من خلف كرمه يصبح حينها لئيما آثما، لأن المحلوبة حليب والمعصورة ليست فقط دما بل هي قيح أصفر خاثر مقزز، وأن تسمح وزارة الصحة لغير أطرها المأذون لهم بالحديث عن حالات شفاء المرضى بهذا الداء ففي الأمر إما تهاون أو تواطؤ في حجم” ديرو ليه خاطرو”، فعلى حد علمي اثنان نمنحهما بلا حدود ولا مَنٍّ، ونظل نعطيهما حتى الإفلاس، وهنيئا للمفلس بسببهما فهو غني في دنياه وآخرته، وأقصد هنا الوطن والوالدان، لأنهما يمنحان للإنسان الحياة والوجود والهوية والمعنى والمقصد، فيكون هذا الإنسان وما ملك من روح ومال وجاه هو ملك لوطنه ووالديه، لكن أننا “نقلبوها مع الوطن بيع وشرا”، فهذا هو اللؤم في أبشع صوره، و اللهم احفظ وطننا وقدِّرْنا على خدمته بحب وإخلاص صادقين، واشهد علينا أننا لا نستخسر فيه روحنا ولا ما نملك، فالزائل يُعوَّض، لكن الأوطان والوالدين لا يُعوّضان، واسألوا اليتامى والمغتربين اللاجئين.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.