الغلو في نصرة المرأة : وأخيرا صار للميز قانون يحميه

الغلو في نصرة المرأة : وأخيرا صار للميز قانون يحميه
محمد الشمسي
ينتشي غلاة نصرة قضية المرأة بالقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ، ووصفتهم بالغلاة لأنهم سنوا قانونا جزائيا يخالف فلسفة التشريع في مفهومها الكوني ، فالقوانين الجزائية إنما جعلت للمحافظة على أسمى قيم الإنصاف ، والإبقاء على كفتي ميزان العدالة متساويتين ، والغاية المثلى هي محاربة الجريمة بكل أشكالها وصورها ، والواضح أن هناك من يتبجح بمساندة ملف المرأة حد التطرف ، حتى باتت قضية المرأة لدى بعضهم ” بريستيج أو”إيتيكيت ” يتنافس سياسيون وأشباه مفكرين في الإيمان به حد الإسراف والإفراط بل الشطط لترميم وتبييض صورهم المضببة .
وبالعودة إلى القانون رقم 103.13 يمكن استنباط أوجه مغالاته من خلال تعريفه للعنف ضد المرأة ، فهو ” كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ” ، فالثابت أن الجريمة هاهنا إنما تعتبر جريمة فقط عندما تقترف في حق امرأة ، وهذا هو التمييز والتفريق والفرز في أبشع تجلياته، و تبقى تلك الجرائم إن اقترفت في حق الرجل لا تعتبر جرائم ولا يستفيد من فصول هكذا قانون ، بمعنى أن كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي يكون ضحيته الرجل هو فعل مباح ولا يشكل جريمة ، عملا بمبدأ “لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص” ، ويمضي القانون المسرف في تعريفاته ويصل الى العنف الجسدي للمرأة فيعرفه أنه “كل فعل أو امتناع يمس أو من شأنه المساس بالسلامة الجسدية للمرأة أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه ” والواضح أن المشرع لم يكفه أنه سبق وسن نصوصا في القانون الجنائي منذ سنة 1962 تفرد العقوبة عن جريمة العنف والضرب والجرح أيا كان ضحيتها رجل أو امرأة أو طفل أو حتى حيوان ، بل اجتر هذا القانون الجديد ليخص المرأة دون غيرها به ، و يعتبر تعنيفها جسديا باعتبارها امرأة موجبا للعقاب ، في حين يبقى مصير الرجل المعنف مقتصرا على ما تبقى من القانون الجنائي الذي لا زال ساريا دون أن يشفي غليل مشرع وجد حلاوة في مراكمة نصوص قانونية تشكل صورة طبق الأصل لبعضها .
ويعرف ذات القانون العنف الجنسي للمرأة بأنه كل قول أو فعل أو استغلال من شانه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك ” ، وهنا تعمد المشرع نسيان انه سن قانونا جرم فيه التحرش الجنسي بموجب المادة 1.1.503 وتحدث عن ” كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية او غيرها بأفعال وأقوال أو شارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية ” وطبعا المقصود بهذا “الغير” هنا هو المرأة ، ما لم يقصد بها المشرع كائنا آخر يعيش بيننا دون علمنا ، يمكن ان يكون ضحية إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية ، ربما يقصد المشرع خلسة ” فئة الشواذ جنسيا ” والله أعلم .
فما الجدوى من تشريع نفس القوانين حد الإطناب ؟ ، وهل بتكديس القوانين المستنسخة يمكنها أن تشفع لنا فيكتبنا التاريخ في خانة “الجانتل مان” ؟ ، وهل بهكذا “عرارم ” من القوانين يمكن أن نطمئن على وضعية امرأة بات ملفها مصعدا كهربائيا يصعد عليه المفلسون المتاجرون المنافقون ؟ ، ثم ما مدى جدية هذا القانون في محاربة العنف الجسدي الممارس على المرأة في الوصلات الإشهارية بمختلف تلاوينها ، وفي الأعمال السينمائية والتلفزيونية المدعومة من مال الأمة ، وفي الأغاني وفي “الكليبات” ، وفي أروقة عدد من الشركات العملاقة ، وكبريات الفنادق ، ممن يستغلون جسد المرأة ، ويشترطون لونا وشكلا وسنا نسائيا للظفر بالمنصب أو الفرصة ، ويبيعون بسيقانها ونهودها سفاسفهم ويمررون بها بضاعتهم البائرة ؟ .
وعن العنف النفسي للمرأة يقول القانون المعيب هو ” كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها أو بغرض تخويفها أو ترهيبها ” ، فماذا عن ذات الاعتداء اللفظي أو الإكراه أو التهديد أو الإهمال أو الحرمان الذي يمكن أن يلحق بالرجل ؟ ، فإذا كان الأمر سيشكل جريمة كذلك ، فلم لم يتم التنصيص على الرجل والمرأة معا في القانون ؟ ، أفلا يكون قانونا متطرفا يشرعن للميز ؟ ، أليس ظلم الرجل للمرأة مثل ظلم المرأة للرجل ؟ .
وفي تعريفه للعنف الاقتصادي ضد المرأة يعرف هذا القانون ذلك ب” كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر ، أو من شأنه أن يضر بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية للمرأة ” ، ولا حظوا كيف أن القانون يصر مع سبق الإصرار والترصد على إنهاء تعريفه بعبارة ” المرأة” ، بمعنى أن القانون يصر على إقصاء الرجل من الاستفادة من هذا القانون ، وجعله قانونا نسائيا وحصريا ، فماذا لو تعرض الرجل لأي فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر بحقوقه الاجتماعية أو الاقتصادية ؟ ، وهل لا بد أن يكون كل خلق الله نساء حتى يستفيدون من هذا قانون ؟ .
ليس هناك من إهانة للمرأة أبشع من منحها حقوقا على جثة الدستور الذي يحض على المساواة ، سواء في ديباجته أو في باقي مواده خاصة المادة 6 منه ، من خلال أكذوبة نظام “الكوطا” المنافي لقواعد المساواة ، وتكافؤ الفرص ، والمنافسة الشريفة ، تحت ذريعة ” التمييز الإيجابي” وهو عذر أقبح من زلة ،في سياسة رعناء ، من سياسيين بلداء ، تقوم على الانتهازية لتثبيت زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم وخالاتهم وعماتهم وبنات الأخ وبنات الأخت ، والاقتيات من هذا الريع الرسمي ، أو من خلال إتخام المرأة بقوانين متشابهة ، تحميها على الورق ، ولا ترحمها في الواقع .
صحيح أن المرأة وفي كل بقاع العالم تعاني من ميز وحيف وظلم وجهل الرجل ، فحتى في أمريكا المتحضرة والديمقراطية آثر الشعب الأمريكي انتخاب رجل أخرق أحمق سقط من سقف الصفقات والسمسرة ، على انتخاب سيدة ولدت من رحم العمل السياسي ، وفي فرنسا وجل بقاع أوربا الأنوار ، لا يزال الرجل يؤمن أن جهازه التناسلي وشاربه ولحيته هي عوامل تؤهله للوصاية والولاية والقوامة والتفوق على المرأة ، ولن تمحو القوانين المشلولة عار هذا الفكر الذي يجري في دم الرجال مجرى الكريات الحمراء والبيضاء ، فكيف لعدو المرأة أن يسن قانونا عادلا لعدوه ؟ .
فليحمد المتطرفون ربهم بأن شرعوا لهم قانونا بل قوانين تسبغ الشرعية على الميز الجنسي والعنصري ، وتنتصر للمرأة دون الرجل ، غير آبهين بخطورة رعونتهم على النظام الإيكولوجي والوجودي للعنصر البشري ، فمنذ متى كان الرجل المواطن العادي البسيط عدوا للمرأة وفيها الأم والأخت والزوجة والبنت والجدة ؟ ، أليس عدوها هو الرجل السياسي المقرر المسؤول ؟ ، إلا أنهم هم أعداء المرأة لكن لا يعلمون .