لشكر يتفق مع الريسوني : في الأمر خدعة

محمد الشمسي
لم يكن لقرار الحكومة المغربية في فرض ساعتها الإضافية على الشعب المغربي ضدا في الطبيعة ، وضدا في الواقع ليدهشني ، فقد آثرت هذه الحكومة على نفسها ومن كيفية تركيبها وظروف ولادتها ألا تكون شعبية ، ولم أستغرب للعجلة التي أوجبت بها الحكومة قرارها الانفرادي وغير الديمقراطي الذي قالت له كن فكان ، حيث اختارت يوم الجمعة ، ونشرت في جريدتها الرسمية يوم السبت، لتُنفّذ يوم الأحد ، وكان أمرا مقضيا ، وليذهب الدستور الذي يحض على التشاركية إلى الجحيم ، وإنا هنا باقون فلتشربوا البحر .
الذي انتابني بل آلمني هو ، أنه في الوقت الذي عبرت فيه فئة عريضة من الشعب على معارضتها ورفضها لقرار الحكومة بأشكال نضالية حضارية ، انبرت أصوات تدعم قرار الحكومة ، لكن ليس بذات الحضارية التي تقوم على قاعدة “رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” ، بل “أخرجوا العيون والجباه ” ووصفوا المعارضين لقرار الحكومة وصفا تحقيريا ومهينا ، وعندما يلتقي “العالم الرباني” السيد أحمد الريسوني ، مع المناضل اليساري إدريس لشكر في جوقة واحدة ، ويعزفان ذات المقطوعة ، ويضربان نفس “الهيت” ، تيقنت أن في الأمر خدعة بل في الأمر خيانة .
بالنسبة ل”العالم الرباني” الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم أو هكذا هم “العلماء” ، فإقرار الساعة الإضافية وفرضها على الشعب فرضا ، فيه منافع للناس ، يقول معالي الفقيه ، ومن يقف في طريق ساعة الحكومة هو من ” الغوغاء” لعلهم روافض لقرار الحكومة “المدروس علميا ومصلحيا ” بحسب الريسوني ، وهو لا يعدو أن يكون في قاموس الفقيه الريسوني سوى ” صراخا وزعيقا وتحريضا عبثيا ” ، ويختم صاحب “نظرية المقاصد ” أن الحكومة عليها فقط أن ” تواكب قرارها بالشرح والبيان حتى يعلم من لا يعلم ، ويفهم من لا يفهم ” ، وللأمانة فكل الأوصاف الواردة في هذا المقال المنسوبة للريسوني إنما مأخوذة من صفحته الرسمية ، و”اللي شك ماغابت عا تادلة ” وحسبنا صفحة الرجل ، لنشرع في تحليل و تشريح خطاب رجل دين محسوب على “أهل الله” وأهل الورع والكلمة الطيبة لكنه ينعت من يخالفونه الرأي ب” الغوغاء” ، واسمحوا لي أن أسوق لكم معنى ومفهوم كلمة “الغوغاء” بحسب كل القواميس والمعاجم الرسمية ، فهي تعني في باب أول : الجراد حين يخف للطيران ، وفي باب ثان : الصوت والجلبة ، وفي باب ثالث : السفلة والرعاع من الناس لكثرة لغطهم وصياحهم ، وفي باب رابع : الهمج ، فهل هذا هو أدب الحديث وفن الخطابة يا نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، وليس فقط مجرد عالم مسلم ، فهو لا يكتفي بحمل كتاب الله في صدره بالقراءات السبع او العشر ، بل هو مفسر لكلام الله ، ودارس وشارح له ، وهو أكثر من ذلك مفت في دين الله ، فأين حظك من هذا القرآن الذي يهدي لأعدل الطرق ، وأصوبها وأوضحها ، وهذه سورة الإسراء في آيتها 9 يقول الباري عز وجل ” إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم …” ، وأين هو من سورة الإسراء في آيتها 53 حيث يقول تعالى ” قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ….” ، فهل من يرفضون قرارا حكوميا ارتجاليا ومتسرعا ، يضر بمصالحهم هم غوغاء وأهل صراخ وزعيق ؟ ، هل من يعارضون الحكومة المكونة من بشر يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام هم محرضون عبثيون ؟ أم هم مجرد سرب من الجراد ؟ أو أهل “صداع وغوات” ؟ أم هم مجرد همج ؟ ، عجبت أن تصدر كل هذه الكمية من السباب من مفكر من مؤلفاته ” الشورى في معركة البناء” ، أليس سباب المسلم فسوق يا شيخنا ؟ ، فأما إن انحزت إلى قرار الحكومة فذاك شأنك وحقك ، لكن لم الغلظة في القول ، واللغو عند الرد ، والسخرية من المخالف ؟ وأختم معك بقول سيد المرسلين وأنت سيد العارفين ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ” ، لذلك أشك في أننا نعبد ذات الله ونؤمن بذات الدين ونحمل ذات القيم .
وأما الزعيم اليساري والاشتراكي إدريس لشكر فقد دافع عن قرار الحكومة بتفسير لاعلاقة له بعلم السياسة ، الرجل قال أن الشعب سعيد وفرحان بساعة الحكومة ، “إلا الفيسبوكيين العاطلين عن العمل ” بحسب وصف زعيم الوردة ، وأن من شأن المبالغة في مناقشة قرار الحكومة إعطاء الانطباع لدى العالم أننا ” شعب خمولي واتكالي ” يضيف لشكر ، وأن المغاربة مستعدون للذهاب الى عملهم حتى “في الخامسة فجرا ” يختم صاحبنا .
فأما عما سيقوله سكان العالم حول نقاشنا مع حكومتنا بشأن قرار إثمه أكبر من نفعه ، فأقول للسيد لشكر ، و ماذا قال سكان العالم علينا وعلى حزبك ، حين احتل المرتبة السادسة ب 20 مقعدا فقط في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، لكنه فاز برئاسة البرلمان المغربي ؟ ، وماذا قالوا عنك حين كان زعيم حزب آخر يشترط دخول حزبك للحكومة ، ويتحدث بالنيابة عنك وكأنك محجور عليه ؟ ، أي منطق سياسي وأي عقل سليم يقبل هذه المعادلة المنفلتة من قواعد الكيمياء والرياضيات السياسية ؟ ، هل هناك سخرية منا أكثر من هذه ؟ ، ومادام الفيسبوكيون مجرد عاطلين لا شغل لهم ولا مشغلة فلم تتوسلون لهم في صفحتكم الفيسبوكية وتتواصلون معهم ، وتطلبون ودهم لاستمالة أصواتهم ؟ ، ثم منذ متى لا يحق للعاطل عن العمل أن يخوض في سياسات حكومته بالقبول أو الرفض ؟ ، وهل هكذا ترون العاطلين ، تآمرتم عليهم عند تدبيركم للشأن الوطني ، وعمدتم إلى تعطيلهم ، ونسف برامج تشغيلهم ، وجئتم اليوم تريدون تجريدهم حتى من حقهم في رفض قرار حكومي يرونه رجسا ؟ ، وإن كان على الاتكالية والخمول ، فقد وصفتنا بها دول العالم من ذي قبل ، عندما فزت بريعك وغنيمتك ، أنت ومن معك من كعكة أراضي الشعب و”فابور” في فضيحة “خدام الدولة ” ، فهل هناك خمول واتكالية أكبر من أن يحوز السياسي أرضا بشبه “بلاش” وهي “كتسوى الملايير ” ؟ ، وأما عن يقينك أن المغاربة يمكنهم أن يذهبوا إلى عملهم فجرا ، فكأني بك تقول أن المغاربة قطيع من الحمير ، عندما تقول له الحكومة “رّا” يتحرك ، وعندما تقول له ” شّا” “ميعاودش الهضرة ” ، فاحذر أن “تركلك ” صناديق الاقتراع ، وتفقد ال 20 مقعدا ، وتصبح على ما قلت من النادمين .
رفقا بهذا الشعب ايها اليساري الاشتراكي المؤمن بالحريات بلا قيود ، وبالرأي بلا حدود ، أم أنك تجيد فقط الدفاع عن المساواة في الإرث ضدا في الثابت من دين المغاربة بالضرورة ، بئسكم من سياسيين لعلكم في الأصل حمولات زائدة تقتات من عرق جبين الشعب ، وعند الشدائد تنحازون ضد قضايا الشعب ، وتنعتونه بأوصاف تنم عن حقيقة معادنكم .
وحسبي هاهنا أن اختم بالقول ، أنه إذا رأيت قرارا سياسيا حكوميا ، ينبري للدفاع عنه تركيبتان فيزيائيتان متناقضتان ، ولا تلتقيان في مختبرات السياسة ، شيخ موحل في الأصولية ، ويساري من بقايا السطالينية ، ويرميان معارضي القرار الحكومي بنعوت تخرجهم من نطفة آدم ، فاختف خلف تَلّةٍ أو قف “مع الدورة ” وانتظر ، حتما ستكتشف أن في الأمر خدعة لا بل في الأمر خيانة ، أحدهما خان الله ورسوله ، وثانيهما كفر بمبادئه وقيمه .