أول بابْ لمحاربة الإرهابْ

يتملك كل مغربي أصيل الكثير من الخزي والعار جراء ما أقدم عليه أولئك المراهقين المغاربة المجرمين في إسبانيا كما في فلندا ، وبت شخصيا أسأل نفسي ، أي خطاب هذا الذي يمكن أن يجدب مراهقا من عالم الموضة ومتع الحياة بطيشها الشبابي ، ويحقنه بحقن اللهفة على القتل والرغبة في الدمار ؟ ، أي فكر هذا الذي يجعل مراهقين يعيشون في أوربا حيث لا فاقة ولا هشاشة ، وحيث التعليم والصحة والسكن والشغل والتكوين من أوجب الواجبات على عاتق الدولة ، يجعلهم ينفرون من الحياة ويقبلون على الموت ؟ ، ثم أي حظ عثر أن يكون المجرمون القتلة كلهم مغاربة ، حتى أن الإعلام الدولي بات يسميها “خلية المغاربة” ؟ .
نتضامن مع أسر القتلى بكل شجاعة وصدق ، وننقل لهم أننا نحن معشر المغاربة لسنا أشرارا ولا قتلة ، فنحن الذين نتفادى أثناء سياقتنا لمركباتنا دهس ضفدع أو سحلية أو سلحفاة تعبر الطريق حتى نوشك أن نزيغ وقد نصدم شجرة ، ليس منا ولا فينا نحن المغاربة من يروقه مشهد جثة في حادثة سير طبيعية فما بالنا أن نتقصد دهس الناس بسياراتنا ، ولسنا نحن المغاربة من ناكري فضل وجميل اسبانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها من دول اوربا التي آوت جاليتنا المغربية ، ودمجتها في نسيجها ، ومتعتها بحقوقها ، فكان الجد والعمل من طرف مغاربتنا وكان الأداء والفضل من طرفكم ، ولسنا أهل جحود حتى نعض الأيدي التي مدت لمغاربتنا ، قصدوكم ضيوفا كراما وكنتم لهم مضيفون كرماء .
حان الوقت لاتخاذ قرارات صعبة لكنها صائبة ، قرارات تقوم على مراجعة فقهنا الإسلامي ولا أقول ديننا الإسلامي ، مراجعة تلك الكتب التي سماها أهلها في زمانهم ب”الصحيحة المطلقة ” ، كتب تتضمن أحاديث منسوبة إلى رسول الرحمة وهو منها بريء ، أحاديث تم تجميعها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة سنة وما يزيد ، دون علمه بها ولا إذنه ، أحاديث لم تدون في زمن رسول الله ، ولم تجمع في عهده ، ولم يطلع عليها ليجيزها فتكون جزء من الدين ، بل لم تجمع حتى في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ، أحاديث جمعت بعد انصرام ما بين 120 إلى 400 سنة بعد وفاة رسول الله ، جمعت في زمن عودة العصبية القبيلة والتطاحن السياسي على الحكم بين بني أمية وبني العباس وغيرهم من الفرق التي حبل بها ذلك العصر ، في عهد الاقتتال المذهبي ، في عهد المذابح التي اقترفت داخل المساجد ، في عهد الانقلابات والانقلابات المضادة ، و تسخير كل السبل لأجل إضعاف العدو السياسي ، ولو باختلاق أحاديث تجيز القتل بل تأمر به ، وأخرى تكفر قوما وتهدر دمائهم ، وثالثة ترصد المكافأة للقاتل ، كلها نسبت الى رسول الرحمة الحاصل على شهادة من رب العالمين بأنه “على خلق عظيم ” ، أحاديث لم يعتمد محققوها على مناهج علمية لتثبت من صدورها عن رسول الله أو إلى أحد الرواة من صحابته الكرام ، فقد اعتمد محققوها على شهادات أشخاص نكرات حول صدق ونزاهة وعدل وثقة رواة بدورهم نكرات ، أحاديث يكفيها ريبة وشكوكا أن الإمام البخاري جمع منها بداية ما يفوق 600 ألف حديث ، وبعد التحقيق وهو تحقيق غير موضوعي وغير علمي ، اكتفى في “صحيحه” بقرابة سبعة آلاف حديث مع المكررات منه ، فماذا يمثل الرقم 7000 أمام 600.000 ألف ؟ أحاديث متناثرة بين تلك الكتب ، حيث ما يذكره هذا غير موجود في كتاب الآخر ، وما هو في هذا الكتاب برواية معينة يوجد برواية مغايرة في الكتاب الآخر .
لا نحتاج الى التجرؤ على كتاب الله لتعديل سورة الإرث بجعل حظ الذكر مثل الانثى ، فهذا مجرد ترف زائد ، لن يساهم في تنمية والنهوض بوضعية المرأة ، لأنه ليس كل المغاربة أثرياء وسيخلفون ثروات بعد وفاتهم ، بل هذا التطاول على فرض الله قد يخدم النساء من أسر ثرية تملك العقار والشركات والأسهم ، وهو بذلك لا يحقق عنصر المساواة المنشود ، بل نحتاج الى أن نراجع فقهنا بأنفسنا ، وبالاستعانة بالمتنورين من علمائنا وما أكثرهم ، ممن يرون أن الصحيح المطلق هو كتاب الله دون غيره ، وباقي الكتب يأخذ منها ويرد ، لأنها من تأليف بشر يصيبون ويخطئون ، والكتب المسماة بالصحيحة والتي عددها بين الستة أو العشرة أو ما يزيد ، لا يمكن أن ترقى الى درجة الصحيح المطلق ، ويكفيها وهنا أن بها أحاديث تتعارض مع كتاب الله ، وأخرى تسيء الى رسول الله ، وأما أولئك الشيوخ الذين أجهدوا أنفسهم في الدفاع عن المتناقض منها مع كتاب الله ، وخلقوا لذلك علما سموه ب”علم التضاد” فلا سامحهم الله على شهادة الزور التي أدلوا بها أمام التاريخ .
تلك الكتب هي مصدر إلهام “فقهاء القتل ” يوظفون الأحاديث الواردة فيها ويقدمونها أدلة لمراهقين أو جهال رشداء ، ويبشرونهم بالفردوس الأعلى ، ويحرضونهم على الدمار ، فيحولونهم إلى كلاب مسعورة متعطشة للانقضاض والفتك والتمزيق بالأنياب والمخالب ، تلك الكتب كانت في الماضي حكرا على طالبي “العلم الشرعي” ، أما في زمن الانترنت فقد صارت بين يدي ما لا يخاف الله ، ومن يتاجر في الدماء ويكتنز من تجارته تلك مالا لبدا ، أين العيب إن نحن فتحنا نقاشا حول مضامين تلك الكتب ؟ ، أليس تطهيرها من أحاديث مسيئة إلى رسول الرحمة هو عين الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وعن رسالته السامية ؟ أم أن العقبان الصلعاء التي تقتات على جثث العمليات الإرهابية ستنعق وتهاجم وهي تستشعر خطرا يحدق بأصلها التجاري ؟ .