من الغباء تصديق أن سر هجمة الشقيقات الخليجيات الثلاث على قطر يعود بالأساس الى تلك اللائحة من الشخصيات والكيانات المصنفة في قائمة الإرهاب ، ومن الجنون الاطمئنان إلى أن سبب حصار قطر يعود إلى نوعية الضيوف الذين تؤويهم ، المضحك المبكي أن الدول الغاضبة من قطر قررت مقاطعتها وحصارها أولا ، ثم جاءت بالبرهان ثانيا ، فكانت مثل كمن يجيب ثم يفكر ، وحتى البرهان جاء باهتا مقارنة مع هول الحصار ، الإعلام السعودي ومعه الإماراتي وخلفهما إعلام مصر السيسي انقضوا على الإمارة الصغيرة ونشبوا فيها أظافرهم وأنيابهم ، وراحوا ينهشون في الأعراض والأنساب والملة والمذهب والعقيدة ، وصحافيو “العربية” و “إم بي سي” و” سكاي نيوز عربية ” ما صدقوا فرصة طالما انتظروها ، فاستدعوا قاموسا من تحت قاع الحضيض لصياغة تقارير تسيء للعمل الصحفي ، وتجعل من الصحافي غفيرا لدى النظام ، أو قل كلب حراسة شرس ومتوحش .
غيوم الحرب تحوم فوق سماء شبه الجزيرة العربية ، وأهل قريش ماضون نحو “حرب بسوس” جديدة ، أو “داحس والغبراء” في القرن الواحد والعشرين ، لكنها ستكون حربا لن تبقي ولن تدر، لواحة للبشر ، فالزمن ليس زمن سيوف وخيل وجمال وكر وفر، إنه زمن البوارج الحربية وحاملات الطائرات في حجم دول عائمة ، إنه زمن الإف 16 و البي 52 الأمريكية و الميج وتوبوليف الروسية ، زمن القاذفة الحربية الواحدة تحمل أكثر من 30 طن من أعنف القنابل ، قد تحول الدولة إلى أطلال ، زمن القنابل الذكية يتحكم فيها الأغبياء .
التاجر” دونالد ترامب” في أول خروج له من البيت الأبيض أشعل الفتيل بين الإخوة الخليجيين ، فمن كان يتصور أن تثور العربية السعودية في وجه شقيقتها قطر ؟ ، التاجر “ترامب” سيشعلها ويبيع السلاح للفريقين ، وبعد أن تخرب قنابله أرض الحجاز ستأتي شركات بلده للإعمار بعقود طويلة الأمد هي أقرب إلى عهد حماية جديد .
والكيان الصهيوني قابع يتفرج و يفرك الأصابع منشرحا ، خارطة إسرائيل الكبرى بدأت معالمها تتشكل، والهجرة من تل أبيب الى مكة والمدينة بات قريبا ، والشعب الفلسطيني على فوهة بالوعة بلا قاع ، فيصير درسا في التاريخ مثل شعب الإينكا ، فالإمارات العربية تهيئ محمد دحلان لتصفية القضية الفلسطينية ولفها في ورق مزركش وتقديمها هدية إلى نتانياهو، وهذا لا يتحقق إلا بوأد المقاومة ودفنها حية في رمال دبي ، والسيسي سيكسب شرعيته المفقودة ليس من صناديق الاقتراع ، ولا من حب الشعب له ، بل بإقبار معارضيه ، فقاعدته الرياضية هي ” أنت معارض إذا أنت إخواني” ، و إيران تستغل محاولة العرب تجويع قطر لتستنفر موانئها تقدم المئونة ، وطبعا ليس بالمجان ، فإيران لم تصدق أنها وجدت صيدا ثمينا في الحديقة الخلفية لغريمتها العربية السعودية ، وستضم إيران قطر كما ضمت العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ، ولم يبق بين إيران وقطر سوى رفع هذه الأخيرة يدها عن دعم المعارضة السورية ليقع زواج المتعة على الطريقة الشيعية بين الدولتين ، ثم هناك تركيا العثمانية التي لم تنتظر حتى تقوم الساعة ، فأرسلت جنودها إلى قطر في محاولة منها هي الأخرى للاقتيات على جثة أهل الخليج .
في المحصلة العالم بات يحكمه الكثير من الملوك والأمراء و الرؤساء المجانين والحمقى والأغبياء ، العالم يوشك أن ينقرض منه الحكام الحكماء ، العالم صار رحبة للتآمر وزرع الفتن والقلاقل بين الأنظمة والدول ، والتآمر على الشعوب ، العالم صار عربة تجرها خيول مسعورة تركض بلا اتجاه في انتظار المنعرج الذي يقلب سافلها على عاليها ، وبعض الملوك والحكام العرب متحمسون للعب دور غبي بليد سيجر الوبال على كراسيهم وأنظمتهم ومن يدري فرب ضارة نافعة .