
حين نبحث في جنيالوجيا مفهوم الديمقراطية نستحضر بالضرورة ديمقراطية المجتمع الأثيني في القرن الخامس ق.م كأول نموذج استمدت منه المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي في إطار تحقيق إمكانية حكم kratein الشعبdemos ، حيث تبقى أهم ميزة تطبع هذه الممارسة السياسية هي حكم الأغلبية، لكن التركيبة الإجتماعية للمجتمع الأثيني (الإقصائية بمنظار اليوم) كانت تسمح للأثينيين الأحرار فقط بالمشاركة في الإنتخابات، و هو ما يقدر بعشر الساكنة الإجمالية تقريبا، 30 ألف من 300 ألف نسمة تقريبا، مما يطرح السؤال: إلى أي حد تعتبر الديمقراطية الأثينية عادلة؟ و هل يستقيم أن نتحدث عن نموذج ديمقراطي ثابت في ظل واقع متغير؟
مشروعية هذا السؤال لا تستمد من تاريخيته أو من نقد الديمقراطية الأثينية، و إنما من راهنيته الممتدة عبر الزمان و المكان باعتباره سؤالا عابرا للثقافات.
ما يحدث من شد و جذب في الساحة الحزبية المغربية بخصوص تعديل قانون الإنتخاب في إطار القاسم الإنتخابي يعيد طرح سؤال الديمقراطية من جديد، حيث يعتبر العدد هو المعيار الفصل المحتكم إليه في تحديد عدالة الممارسة السياسية من ظلمها، و صحتها من فسادها. قد يعتبره البعض مناورة للإطاحة بحزب معين في ظل استنفاذ كل الوسائل الأخرى، و قد يعتبره البعض الآخر وسيلة لإنقاذ الأحزاب التقليدية، فيما يعتبره أشد المؤمنين بالديمقراطية التفافا على أهم مبادئها و هو حكم الأغلبية. لكن في ظل ممارسة سياسية تقليدية تمتح من التاريخ و الدين و القبيلة و مخلفات الإستعمار لخلق كيانات حزبية عبارة عن مسوخ سياسية مشوهة تدعي ممارسة الديمقراطية بالإحتكام إلى منطق العدد فقط. مبدأ العدد هذا لم يعد يحتمل نفس القراءة، فبين من يدعي عدم ديمقراطية القاسم الانتخابي و من يعتبره السبيل للإعتراف بالأقلية يغيب سؤال الريع الإنتخابي، و لعل الإنزال غير المسبوق في قبة البرلمان ليلة التصويت خير دليل، و بين من يدعو مستسلما على مضض إلى إعادة تحيين اللوائح الإنتخابية من أجل إعطاء القاسم الإنتخابي نوعا من المصداقية و من يصف المقاطعة بالعدمية و الحياد السلبي، تغيب الوطنية و المواطنة التي من أجلها وجدت السياسة.
يستند الحزب الحاكم في خطاب المظلومية إلى التقاليد الديمقراطية الأثينية القائمة على حكم الأغلبية، لكنه يتناسى في الوقت نفسه أنها مجرد أغلبية مجازية لا تترجم إرادة الشعب الحقيقية سواء في المجتمع الأثيني أو المجتمع المغربي، أما المطالبة بالإبقاء على لائحة الشباب و النساء فكأننا نتخيل أحرار أثينا و هم يدفعون بنسائهم و أطفالهم لتوسيع دائرة الريع و في هذا تشويه فاضح للديمقراطية التي يبدو أن رجل السياسة المغربي يتعامل معها بالكثير من الانتقائية.
استحضارا لمصلحة الوطن و المواطن، يجب تصويب النقاش الديمقراطي، و عوض أن نتساءل عن ديمقراطية القاسم الانتخابي سيكون صحيا أكثر لو تساءلنا: هل نبغي من وراء الديمقراطية العدل أم الإنصاف أم المصلحة؟ إن الإجابة الصادقة عن هذا السؤال بعيدا عن كل نعرة اديولوجية هي التي ستسمح لنا بأن نتموقف فعليا من القاسم الانتخابي.