موت باها و الحق في الشك

الشيء الوحيد الصحيح والحقيقي والثابت في موت الوزير باها رحمه الله هو موته ، فالرجل كان له لقاء مع الموت في بوزنيقة ، في ذلك المكان والزمان ، وهذا أمر قضي فيه من لدن العزيز الحكيم العالم العليم ، لذلك نحن لا نناقش الموت كأجل محتوم ، فليس هناك كائن يعيش فوق أجله ، وليس هناك كائن يموت قبل أوانه ، فالانسان وجميع الكائنات لم تخلق سدى ولا عبثا ، فالحياة كالموت لها أجلها ، ولكن ان يكون المرحوم باها في هذه الدرجة من الحكمة والرزانة ، التي شهد له بها الخصوم قبل الأهل ، فإن نزوله من سيارته وترجله في مكان موحش مظلم وفي زمان هو ليل حالك ، وفي فصل هو فصل الشتاء والبرد القارس ، وسيره فوق سكة حديدية غير محروسة ،وعلى ارض هو لم لا يخبرها ولم يعهدها ، ومباغثة القطار له وهو على حالته تلك ، وتمزيق القطار لطرف من جثته وفصل رأسه عن جسده ، والاهتداء اليه فقط ببطاقة تعريفه الوطنية التي عثر عليها بقرب جثته ، كلها تجعل الحادث مغلفا بهالة من علامات الاستفهام والتعجب ، وحتى السلطات الامنية بدورها يخامرها شك بل شكوك في موت الرجل الحكيم في تلك الظروف المفتقدة للحكمة ، لذلك بادرت الى فتح تحقيق تحت اشراف الوكيل العام للملك بالدارالبيضاء شخصيا ، ولا يزال التحقيق جاريا ، وتتحدث وسائل اعلام ان مكان الحادث بات قبلة لمختلف اصناف الشرطة العلمية بمختلف المشارب والانتماءات ، الكل يسأل ولو في صمت ، كيف ولماذا وما السبب واين وهل ومتى وأيعقل ؟.
لا اريد هنا ان اربط حادث غرق المرحوم الزايدي بحادثة موت المرحوم باها ، ليس من حيث المكان ولا الزمان ، ولا من حيث تواجدهما ساعة موتهما لوحدهما في سيارتيهما ، فينعدم الشاهد ويموت المرحوم وتموت معه الاسرار التي تغلف موته ، ولا اتحدث هنا عن طينة الرجلين معا ، من ان قاسمهما المشترك هو عدم وجود اعداء لهما ، فالرجلان معا يحظيان بإجماع من لدن الخصوم قبل الاصدقاء ، ما اريد ان اثيره في موت الوزير باها ، هو ان الشك في ظروف موته يساور الجهاز الامني اولا قبل ان يساور شعب الفيسبوك وشعب المقاهي ، وأما ما نسب الى السيد الرباح والى السيد يتيم من أن نترك الرجل يموت في سلام ، فإنه خطاب لا يغير في حجم وكمية الشكوك شيئا ، فأما عن القطار الذي دهس الوزير فإن سائقه تتناقض الروايات المنسوبة اليه ، فقد ذكر صحفي كان على متن ذلك القطار ان السائق لم يشعر بمقتل الضحية الا وهو في الصخيرات ، في حين ذكر السائق أنه شاهد الضحية بين خطي السكة يحاول تفادي القطار ،وأنه اطلق صوت المنبه ، وعن سرعة القطار تحدث السائق على انها ما بين 150 و80 كيلومتر في الساعة ، ولا اريد ان اثير ان ضوء اقطار وضجيجه وانبساط المكان و الحيطة المفترضة في كل من يعبر سكة قطار ليلا ، وعن جثة المرحوم فإن فصل الراس عن الجسد يفيد ان الجثة كانت ممدة على الارض ، وعن سبب مغادرة الرجل سيارته في ذلك الوقت الليلي المخيف البارد ، فالامر فيه شكوك ، فمن قال بان باها رحمه الله كان ينوي معاينة الحفرة حيث غرق الزايدي ؟ ، لان معاينة الحفر بالليل وفي الظلام ليست من شيم الحكماء ؟ ، ثم من اين تم استيقاء هذه المعلومة مادام الرجل قد فارق الحياة وكان لوحده ؟ ، هل لانه مات بقرب القنطرة حيث غرق الزايدي يكون قد ترجل من سيارته لاجل المعاينة ؟ ، أكثر من علامة استفهام ، وأكثر من علامة تعجب في موت هذا الرجل الهادئ ، وكيف يمكن وضع بطاقة تعريفه الوطنية في جيبه وهو في يوم عطلة ؟ ، ثم الم يكن وقت الحادث متزامنا مع وقت اداء صلاتي المغرب او العشاء ، ألا يفترض ان الرجل بمقربة احد المساجد لاداء الفريضة التي يحرص على ادائها في وقتها ؟ ، ثم من اخبر بالحادثة ، مادام المكان مهجورا وخال من السكان ؟ ، لا نتهم احدا ، لكن نخشى ان يكون في الامر جريمة ارتكبتها عصابة منظمة غايتها السطو على ممتلكات الرجل ، اعترضت سبيل المرحوم ، وعندما لم تجد معه ما تبحث عنه ، وعندما علمت انه وزير وان تركه على قيد الحياة سيجر على عناصرها الوبال والاعتقال ، وسوست لهم شياطينهم بسوق الرجل الى حتفه وربطه مع السكة واخراج بطاقته الوطنية من سيارته ورميها للاهتداء الى هويته ، وترك سيارته بلوازمها لئلا يفتضح الامر ، هذا ما اراه وما اخشاه ، من ان تصل يد الجناة الى رجالات الدولة ، ويفلح هؤلاء الجناة في إلهاء المحققين بمكان الجريمة وزمانه ورمزيته .
الشك حق مشروع ، والسؤال حق مشروع ، ومن حق اسرة الفقيد ان تلتزم الصمت من هول الصدمة ، لكن باها الذي نبحث عن سبب وفاته وسبب تواجده في ذلك المكان وفي ذلك الزمان هو باها الذي نملك فيه حصصا ، باها الحكيم في زمن قل فيه الحكماء ولم نعد نرى سوى الطيش في آخر صيحاته ، باها السياسي الذي يزاوج السياسة بالاخلاق في وقت نرى فيه ان السياسة والاخلاق جسمان متنافران لا يلتقيان ابدا ، ذاك هو باها الذي نحاول ان نفك شيفرة وفاته حتى لا نقول مقتله ، فحقنا في الشك مشروع ، ولو ان الجهات الامنية كانت ولا تزال هي السباقة الى طرح الشك ، خاصة وان تحقيقاتها لم تكتمل بعد ، على أننا نعول كثيرا على دهاء وذكاء المحقق المغربي ، حتى لا يبقى الفاعل إن وجد طليقا يتفرج .