الرأي

عاداوي … “ميكا” عليكم

مع دخول شهر يوليوز شرع المغاربة في إلقاء النظرات الأخيرة على الميكا ، وبدؤوا في تعداد مناقبها ومنافعها ، من أنها كانت تستر السخرة ، وتجمع الروينة ، وشرع الناس في الاستعداد لأول صيف بدون ميكا .

ولأن المرونة في تطبيق القوانين بمجرد دخولها حيز التنفيد أمر واجب ، فلازالت كميات من الميكا مستمرة في اداء مهمتها ، غير مبالية بقانون الحظر، الى أن ينفد السطوكاج ، لكن واضح ان المسؤولين جادين في قرار إعدام الميكا ، على ان ما هو ليس بواضح ، هو عدم ملئ الفراغ الذي احدثه غياب الميكا في القوت المناسب ، وكأن قرار حظر الميكا جاء من خارج المغرب ، فقد كان على المسؤولين التعجيل بطرح البديل ، بدل ترك المتسوقين متسمرين أمام التجار في المتاجر يسألون عن الميكا أو من ينوب عنها ، وقد تعددت الروايات والقصص في اليوم الاول من دخول قانون منع الميكا حيز التطبيق ، فمن الناس من استعان بكارطونا ، ومنهم من أخذ سخرته بين يديه وكأنها رضيع ، ومنهم من استعان بميكا خلسة ، ومنهم من داربناقص من تلك السخرة ، على ان بدائل الميكا وإن كانت صديقة للبيئة من حيث تركيبة صنعها ، فإن تلك البدائل هي عدوة للجيوب ، فقد وجد المواطن المسكين أن جيبه مطالب بأداء درهم واحد لاقتناء كيس من ورق مقوى ليضع فيه حاجياته من داخل المتجر ، ويتأكد المواطن أن ميزانيته الصغيرة هي من ستتحمل تبعات إنقاذ البيئة من سموم الميكا .

أذكر انه في سنوات الثمانينيات لم يكن للميكا أثر في حياتنا اليومية ، كنا صغارا نذهب الى سوق الخضر نحمل القفة ، ونقتني الخضر بحسب قسحويتها وتحملها ، فتكون البطاطس اول المقتنيات ثم الجزر والبصل ، ثم بعض الخضر الاقل حساسية وتحمل مثل بعض اصناف القرع ، لتكون الطماطم هي آخر ما يوضع في القفة ، وقد كان هذا الترتيب فرضا وليس مجرد اختيار ، ومن يخرقه يعرض خضرته الى المعيس ، وكنا سعداء بدون هذه الميكا التي سهلت المعاملة لكنها في نفس الوقت شرعت في قتل الحياة ، لذلك انا متحمس للعودة الى مرحلة “حياة بدون ميكا” ، لأنها ممكنة ومفيدة .

بعيدا عن قانون حظر تجوال الميكا ، وعن غراماته الكبيرة ، وصعوبة مسطرة تحرير المخالفة ، خاصة لدى المواطن العادي ، الذي قد يكون طفلا ، أو شخصا بدون هوية ، أود أن أشير الى أن التخلص من الميكا أضر بفئة من الناس كانت تستثمر في هذه المادة الملعونة ، فئة وجدت نفسها فجأة عرضة لهجوم شرس ، وتبرأ الكل من الميكا ، ونسي الكل خير الميكا ، وتشردت آلاف الأسر وأغلقت مئات المعامل القانونية والعشوائية منها ، على ان ثمة متضررين آخرين من قانون منع الميكا ، وهم الشمكارا الذين يستعملون الميكا في تشمكيرهم وتخذيرهم ، أولئك الذين يصبون معجون السيليسيون في كيس من الميكا ، ويشرعون في الشهيق والزفير في تلك اليمكا “بوش آ بوش” من الفم الى الفم ، بحثا عن غيبوبة يجدون فيها متعة لا تضاهيها متعة ، مساكين هؤلاء الشمكارة يتعين عليهم الصبر على الفطام من تلك البلية الى ان تجود عليهم قريحتهم بخلق البديل الذي نفخون فيه آمنين مطمأنين ضامنين لغيبوبة يدفعون مالهم وصحتهم من أجلها .

أنتظر بفارغ الصبر رؤية مزابلنا بدون تلك الأشباح الطائرة ، كم ستكون تلك المزابل جميلة بدون ميكا ، فنفاياتنا هي في جميع الاحوال لن تخرج عن قشور خضر وفواكه ، وليقامة الشاي ، وكرطون وزجاج وقصدير بعض المعلبات ، وكل هذه الاشياء قابلة لاعادة الاستعمال ، لنخلق من مزابلنا مناجم للاستثمار والتنمية ، وفي انتظار ان يطال القانون قارورات المياه المعدنية وقراعي المونادا ، وصنادل وصبابط الميكا ، وقارورات زيوت المائدة ، نقول لعشاق الميكا والمتباكين عليها “ميكا عليكم ” ، سلامة أرضنا و أجيالنا أهم من دموعكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى