الجراء هي صغار الكلاب ، من عادتها أنها تنبح وهي خائفة مذعورة ، تنبح وكلما شعرت بالخطر يقترب منها تهرب تلوي ذيولها الصغيرة بين فخديها الخلفيتين وتهرول في اتجاه الكلبة الأم تختفي خلفها علها تقيها شر ظلها أو خيالها ، نباح الجراء فيه ضجيج بدون نتيجة ، الأحمق هو من يصدق نباح الجراء ، لذلك يستحسن ترك الجراء تنبح وعدم الاهتمام لنباحها ، فهي كلما نبحت كلما خافت وارتجفت ، توهم نفسها أنها خلقت الحدث ، لكن لا ندري هل الحدث الأكبر أو الحدث الأصغر فكلاهما مبطل للوضوء.
سبب نزول هذه المقدمة هو أن لصوص المال العام في مدينة ابن سليمان على الخصوص ، لا يستسلمون بسهولة ، إنهم لا يرفعون الراية البيضاء ، وهم يشنون حربهم القذرة والمشوهة ضد الشرفاء ممن يفضحون جريمتهم ، لصوص المال العام هناك يناورون ، يستميتون كي يفلتوا من برودة الزنزانة التي تنتظرهم ، وأسئلة المحققين ، و”الشوهة ” بين المقربين ، “حصلة ” هؤلاء اللصوص قريبة ، رغم أنهم مدعومين بكبيرهم الذي علمهم السحر والسرقة ، كبيرهم الذي “يقـفـقـف” كلما قرأ عنوانا في جريدة أو فكر بعقل وسجية ، أو استحضر أن ساعة الحساب قادمة لا ريب ، فيسارع الى إدخال رأسه في الرمل وترك سوأته مفضوحة .
لصوص المال العام في ابن سليمان مثلهم مثل تلك الجراء التي بنباحها تعتقد أنها ستطفئ ضوء القمر ، أو ستخيف أمواج البحر ، أو ستخفي أشعة الشمس في يوم صيفي جميل ، لصوص المال العام ، مثل الجراء حين ينبحون وهو خائفون ، وذيولهم تلامس بطونهم ، من شدة ذعرهم تراهم يفرون مختفين خلف ركام قش أو داخل عش دجاج أو تحت بردعة حمار .
وأما كبير لصوص المال العام فهو مثل كلب أجرب هرم ” شاب وعاب ” ولم يعد يصلح حتى للنباح ، كلب يوشك على التقاعد ، بعد أن ضبطه مالكه يلتهم البيض الذي كلفه بحراسته ، فربطه تحت حرارة الشمس في انتظار الإفتاء في مصيره .
، كلب يمضي يومه كله في نوم عميق وهو يطوي جسده المتهالك ، كلب بلغ من الكبر عتيا ، يُعلم الجراء كيف تنبح وتهرب ، وكيف تُستأمن وتخون ، وكيف تتربص بالجيف وتخطف الفتات وتسرق اللحم من تحت طبق أسيادها الذين استأمنوها على حراسة الزريبة والقبيلة ، وعندما يظهر الحق ساطعا مثل فارس مقدام على صهوة جواده ، لتخليص القوم من نباح تلك الجراء ، ومن ودود الكلب الأجرب المتناثر ، لا تتورع الجراء في النباح كعادتها ، تنبح وتنبح لكن كلما ازداد خوفها ازداد نباحها .
يحصل أن يلجأ لصوص المال العام في قمة يأسهم و يقينهم من أن ساعة الحسم أوشكت ، وأن رجال الدرك سيطرقون بابهم في أية لحظة وحين ، وسيتم اقتيادهم الى “لابريكاد” والشروع في استجوابهم بما لا يقوون على الجواب عنه ، يلجئون وبتعليمات من كبيرهم الى الاستعانة بأبواق مأجورة منخورة ، تبيع لهم فضاء الانترنت بدرهم ودرهمين ونصف كيلو غرام وربعه كما يفعل “بائع المسمن والحرشة ” ، يتباهون بمقال صدر في موقع هو وأصحابه نكرات ومفعول بهم ومجرورون من رسن الحاجة والفقر والجهل ، والأكثر من ذلك لا محل لهم من الإعراب ، فيحاولن عبره إطالة عُمر قد انتهى .
حقيقة كم أخطأت تلك النعجة التي اعتقدت أن إخراجها للريح بغزارة قد ينجيها من مخالب الذئب ، وكم أخطأت تلك الجراء حين ظنت أن نباحها قد يخيف الجياد ، وكم أخطأ مهندس سرقة المال العام حين ظن أن التاريخ أهبل لا يسجل الجرائم وينسبها لأهلها ، وكم أخطأ من ظن أن حبل الكذب طويل بلانهاية ، بل هو حبل قصير ، ألا إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب .